الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعَنْ عَليِّ بْنِ الحسَيْنِ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ فَقَالَ: لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ: "لَا تَعْجَلي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ"، وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ؛ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُّمَّ أَجَازَا، وَقَالَ لَهما النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَعَالَيَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، قَالَا: سبْحَانَ الله يَا رَسولَ الله، قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا" (1).
والحْدِيث فِيهِ بَيَان كمالِ شَفَقَته صلى الله عليه وسلم علَى أُمَّته، وَمُرَاعَاته لمِصَالحِهِمْ، وَصِيَانَة قُلُوبهمْ وَجَوَارِحهمْ، وَكَانَ بِالْمؤْمِيينَ رَحِيمًا، فَخَافَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلَقِي الشَّيْطَان عليهم، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ ظَنَّ شَيْئًا مِنْ نَحْو هَذَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَفَرَ، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب التَّحَرُّز مِنْ التَّعَرُّض لِسُوءِ ظَنّ النَّاس فِي الْإِنْسَان، وَطَلَب السَّلَامَة وَالاعْتِذَار بِالْأَعْذَارِ الصَّحِيحَة، وَفِيهِ الاسْتِعْدَاد لِلتَّحَفُّظِ مِنْ مَكَايِد الشَّيْطَان (2).
الوجه الرابع: غيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومراعاة شعور غيره بالغيرة
.
فعن سَعْد بْن عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَقَالَ: "النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَالله أَغْيَرُ مِنِّي"(3).
وَالْغَيْرَة صِفَة كَمَالِ فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ سَعْدًا غَيُور، وَأنَّهُ أَغْيَر مِنْهُ، وَأَنَّ الله أَغْيَر مِنْهُ صلى الله عليه وسلم، وَأنَّهُ مِنْ أَجْل ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِش، فَهَذَا تَفْسِير لِمَعْنَى غَيْرَة الله تَعَالَى، أَيْ: أَنَّهَا مَنْعه سبحانه وتعالى النَّاس مِنْ الْفَوَاحِش؛ لَكِنْ الْغَيْرَة فِي حَقّ النَّاس يُقَارِنهَا تَغَيُّر حَال الإِنْسَان وَانْزِعَاجه، وَهَذَا مُسْتَحِيل فِي غَيْرَة الله تَعَالَى (4).
والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ الله، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمدْحُ مِنْ الله"(5).
(1) البخاري (2039، 2038)، مسلم (2175).
(2)
شرح النووي (7/ 412).
(3)
البخاري (7416، 6846)، مسلم (1499).
(4)
شرح النووي (5/ 391).
(5)
البخاري (5220)، مسلم (1499).