الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - شبهة: ادعاؤهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اعترف أنه ليس رسول الله
.
نص الشبهة:
يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعترف بأنه ليس رسول الله كما في قصة صلح الحديبية؛ حيث قال لعلي رضي الله عنه: "امْحُهُ" أي: امح محمد رسول الله.
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: المعنى الصحيح للحديث
.
الوجه الثاني: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره الكافرون.
الوجه الثالث: الفوائد التي عادت على المسلمين بكتابة هذه المصالحة.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: المعنى الصحيح للحديث.
عن الْبَرَاء بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لمَّا صَالَحَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بَيْنَهُمْ كِتَابًا فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله فَقَالَ المُشْرِكُونَ: لَا تَكْتُبْ مُحَمَّد رَسُولُ الله لَوْ كُنْتَ رَسُولًا لَمْ نُقَاتِلْكَ فَقَالَ لِعِليٍّ: "امْحُهُ" فَقَالَ عِليٌّ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ فَمَحَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ هُوَ وَأَصْحَاُبهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَدْخُلُوهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ فَسَأَلُوهُ مَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ فَقَالَ: "الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ". (1)
وفى رواية: "لمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْبَيْتِ صَالحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيْقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ: السَّيْفِ وَقِرَابِهِ وَلَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ". (2)
وقال عمر رضي الله عنه في رواية: يَا رَسُولَ الله: أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: "بلَى"، قَالَ: أَليْسَ قَتْلَانَا فِي الجنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّار؟ قَالَ: "بَلَى"، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: "يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَنِي الله أَبَدًا"، قَالَ:
(1) البخاري (2698)، مسلم (1783).
(2)
مسلم (1783).
فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَليْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّار؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: إِنَّهُ رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَهُ الله أَبَدًا قَالَ فَنزلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِالْفَتْحِ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَوْ فَتْحٌ هُو؟ قَالَ: "نَعَمْ "فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ. (1)
وقد ذكرت هذه الروايات لأبين بعض الأمور:
أولًا: أن الشوكة كانت في هذا الصلح للمشركين، لذلك تساهل النبي صلى الله عليه وسلم في كلمة (مُحَمَّد رَسُولُ الله) من باب المصلحة؛ وليس لأنه ليس رسول الله.
ثانيًا: في رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر إثبات رسالته إذ قال لعمر: "إِنِّي رَسُولُ الله"، فالمحو ليس محو معنى الرسالة، وإنما محو الكتابة في المصالحة فقط.
ثالثًا: أنه قد يكون الأمر شرًّا في الظاهر لكنه في باطنه خير، فقد كان صلح الحديبية فتحًا للمسلمين، كما قال تعالي:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} (الفتح: 1).
قال الزهري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس كلم بعضهم بعضًا، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. (2)
قال النووي: وفيه - أي في الحديث - أن للإمام أن يعقد الصلح على ما رآه مصلحة للمسلمين وإن كان لا يظهر ذلك لبعض الناس في بادئ الرأي. وفيه احتمال المفسدة اليسيرة لدفع أعظم منها أو لتحصيل مصلحة أعظم منها إذا لم يمكن ذلك إلا بذلك.
وهذا في محو النبي صلى الله عليه وسلم لكلمة (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله).
وأما قول علي رضي الله عنه: (مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ) وهدْا الذي فعله علي رضي الله عنه من باب الأدب
(1) البخاري (3182)، مسلم (1785).
(2)
السيرة النبوية لابن كثير 3/ 324.