الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثالث: أن قولهم رآها فوقعت في قلبه أو أعجبته؛ إما أن لكون رآها قبل الدخول حالة الاستئذان، وإما أن يكون دخل وكلاهما باطل.
الوجه الرابع: أن هذا الفعل فيه خيانة قلبية، وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه خائنة الأعين، وهو من التطلع إلى ما متع به غيره، وهو من الحسد المذموم.
الوجه الخامس: في بيان السبب الحقيقي في طلاقها من زيد رضي الله عنه.
الوجه السادس: أن الله هو الذي زوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الوجه السابع: بيان الحكمة في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مع أن النساء سواها كثير.
الوجه الثامن: بيان المعنى الصحيح لمتعلق الخشية، وما الذي أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه التاسع: أنه لو أخفى حبها وعشقها لأبداه الله؛ لأن الله قال: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} ، فلَما لم يبده الله؟ علم أنه لم يكن.
الوجه العاشر: ذكر هذه الروايات الباطلة، وبيان وجه البطلان سندًا ومتنًا.
الوجه الحادي عشر: اضطراب الروايات في متونها.
الوجه الثاني عشر: كلام بعض الأئمة المحققين من المفسرين وغيرهم حول تفسير الآية ونقد الروايات.
الوجه الثالث عشر: بيان أن هذه القصة من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
الوجه الرابع عشر: ذكر السفير بين النبي صلى الله عليه وسلم وزينب، وما الذي جرى له في ذلك.
وإليك التفصيل
المسألة الأولى: قولهم تزوج بزوجة ابنه
.
والرد عليه من وجوه
الوجه الأول: بيان أن أبناء النبي صلى الله عليه وسلم الذكور ماتوا صغارًا ولم يبلغوا مبلغ الرجال
.
قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40]، فقوله:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} أي لم يكن أبا رجل
منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح، ولما بين الله ما في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب من الفوائد بين أنه كان خاليًا من وجوه المفاسد، وذلك لأن ما كان يتوهم من المفسدة كان منحصرًا في التزوج بزوجة الابن، فإنه غير جائز فقال الله تعالى إن زيدًا لم يكن ابنًا له لا بل أحد الرجال لم يكن ابن محمد.
فإن قال قائل: النبي صلى الله عليه وسلم كان أبا أحد من الرجال لأن الرجل اسم الذكر من أولاد آدم قال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً} (النساء: 176) والصبي داخل فيه، فنقول الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن الرجل في الاستعمال يدخل في مفهومه الكبر والبلوغ، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ابن كبير يقال: إنه رجل.
والثاني هو أنه تعالى قال: {مِنْ رِجَالِكُمْ} ووقت الخطاب لم يكن له ولد ذكر، ثم إنه تعالى لما نفى كونه اصلا عقبه بما يدل على ثبوت ما هو في حكم الأبوة من بعض الوجوه فقال:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأب للأمة في الشفقة من جانبه، وفي التعظيم من طرفهم؛ بل أقوى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والأب ليس كذلك، ثم بين ما يفيد زيادة الشفقة من جانبه، والتعظيم من جهتهم بقوله:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، وذلك لأن النبي الذي يكون بعده نبي إن ترك شيئًا من النصيحة، والبيان يستدركه من يأتي بعده، وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته لهم وأجدى، إذ هو كوالد لولده الذي ليس له غيره من أحد، وقوله:{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} يعني علمه بكل شيء دخل فيه أن لا نبي بعده، فعلم أن من الحكمة إكمال شرع محمد صلى الله عليه وسلم بتزوجه بزوجة دعِيّه تكميلًا للشرع، وذلك من حيث إن قول النبي صلى الله عليه وسلم يفيد شرعًا، لكن إذا امتنع هو عنه يبقى في بعض النفوس نفرة، ألا ترى أنه ذكر بقوله ما فهم منه حل أكل الضب ثم
لما لم يأكله بقي في النفوس شيء، ولما أكل لحم الجمل طاب أكله مع أنه في بعض الملل لا يؤكل، وكذلك الأرنب. (1)
وقال الزمخشري: وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة، فكان حكمه حكمكم، والادعاء، والتبني من باب الاختصاص، والتقريب لا غير {وَ} كان {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} يعني أنه لو كان له ولد بالغ مبلغ الرجال لكان نبيًا ولم يكن هو خاتم الأنبياء، كما يروى أنه قال في إبراهيم حين توفي:"لو عاش لكان نبيًّا". (2)
فإن قلت: أما كان أبًا للطاهر، والطيب، والقاسم، وإبراهيم؟ قلت: قد أخرجوا من حكم النفي بقوله: {مِنْ رِجَالِكُمْ} من وجهين:
(1) تفسير الرازي سورة الأحزاب آية (40)
(2)
حسن لغيره. أخرجه أحمد (3/ 133) من طريق إسماعيل السدي، عن أنس بنحوه.
وهذا إسناد فيه إسماعيل السدي صدوق يهم ورمي بالتشيع (التقريب 463).
وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (المجمع 9/ 255).
وله شاهد من رواية ابن عباس أخرجه أبن ماجه (1511)، وإسناده ضعيف جدًّا فيه إبراهيم بن عثمان وهو متروك.
وله شاهد عند البخاري (6194) عن إِسْمَاعِيل بن أبي خالد قال: قُلْتُ لابْنِ أَبِي أَوْفَى: رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَاتَ صَغِيرًا، وَلَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبي عَاشَ ابْنُهُ، وَلَكِنْ لا نبي بَعْدَهُ.
وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (135): حديث لو عاش إبراهيم لكان نبيًا.
قال النووي: ما روى عن بعض المتقدمين لو عاش إلخ فباطل وجسارة على الغيب.
وقال ابن عبد البر: لا أدري ما هذا فقد ولد نوح غير نبي ولو لم يلد النبي إلا نبيا كان كل أحد نبيا لأنهم من ولد نوح.
وقال ابن حجر: لا يلزم من الحديث المذكور ما ذكر لما لا يخفى وكأنه سلف النووي وهو عجيب من النووي مع وروده عن ثلاثة من الصحابة وكأنه لم يظهر له تأويله فإن الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحاب الهجوم على مثله بالظن اهـ.
وقال الشيخ العلمي: استشكال ابن عبد البر مبني على لفظ "لو عاش إبراهيم لكان نبيًا" لكن لم يكن ينبغي؛ فإن نبيكم آخر الأنبياء؛ فإن قضية هذا امتناع أن يبقى ولا يكون نبيًا، فأما لفظ: لو قضي أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه إبراهيم؛ ولكن لا نبي بعده فقريب وحاصلها أن قائل هذا علم أن الله تعالى أكرم جماعة من الأنبياء؛ بأن جعل من أبنائهم لصلبهم نبيًا أو أكثر، فرأى أن لولا أن الله تعالى جعل محمدًا آخر الأنبياء لقضى أن يعيش ابنه ليكون نبيًا، وكأن هذا هو المقصود من اللفظ الأول والتصرف من بعض الرواة.
انتهى من حاشية العلمي على الفوائد المجموعة (صـ 354).
أحدهما: أنّ هؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال.
والثاني: أنه قد أضاف الرجال إليهم وهؤلاء رجاله لا رجالهم، فإن قلت: أما كان أبا للحسن والحسين؟ قلت: بلى؛ ولكنهما لم يكونا رجلين حينئذ، وشيء آخر: وهو أنه إنما قصد ولده خاصة، لا ولد ولده " لقوله تعالى:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ألا ترى أن الحسن والحسين قد عاشا إلى أن نيّف أحدهما على الأربعين والآخر على الخمسين. (1)
وقال السعدي: أي لم يكن الرسول {مُحَمَّدٌ} صلى الله عليه وسلم {أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} أيها الأمة فقطع انتساب زيد بن حارثة منه، من هذا الباب.
ولما كان هذا النفي عامًّا في جميع الأحوال، إن حمل ظاهر اللفظ على ظاهره، أي: لا أبوة نسب، ولا أبوة ادعاء، وقد كان تقرر فيما تقدم أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أب للمؤمنين كلهم، وأزواجه أمهاتهم، فاحترز أن يدخل في هذا النوع، بعموم النهي المذكور، فقال:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ} أي: هذه مرتبته مرتبة المطاع المتبوع، المهتدى به، المؤمن له الذي يجمب تقديم محبته على محبة كل أحد، الناصح الذي لهم، أي: للمؤمنين، من بره ونصحه كأنه أب لهم. (2)
فقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} نهي من الله تعالى أن يقال بعد هذا: زيد بن محمد، أي: لم يكن أباه وإن كان قد تبناه فإنه صلى الله عليه وسلم، لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم؛ فإنه ولد له القاسم، والطيب، والطاهر، من خديجة فماتوا صغارًا، وولد له إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضًا رضيعًا. (3)
(1) تفسير الزمخشري: الآية.
(2)
تفسير السعدي: الآية.
(3)
تفسير ابن كثير (6/ 428).