الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجة الثاني: هذه القصة ليست فيها خلوة
.
لو نظرنا إلى سياق الحديث لوجدنا أن المرأة معها صبي، كما جاء في بعض طرقه: قال: "جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله ومعها صبي لها"(1).
وفي سياق الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع الناس، ثم جاءت المرأة فتنحى بها، وهما أمام الناس.
قال البدر العيني: وجاء في بعض طرقه أنه كان معها صبي أيضًا، فصح أنه كان عند الناس، ولاسيما أنهم سمعوا قوله:"أنتم أحب الناس إلي" يريد بهم الأنصار وهم قوم المرأة (2).
قال النووي: وأما المراد بالخلوة أنها سألته خفية بحضرة الناس، ولم تكن خلوة مطلقة، وهي الخلوة المنهي عنها (3).
في الحديث أن أنس رضي الله عنه سمع بعض كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أنها ليست بخلوة، فقوله (فخلا بها) يدل على أنه كان مع الناس فتنحى بها ناحيةً، لأن أنسًا سمع قوله:(والله إِنَّكُم لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيّ)(4).
الوجة الثالث: تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الخلوة بالنساء
.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ المُوْتُ"(5).
قال ابن حجر: فقَوْله: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُول" بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِير، وَتَقْدِير الْكَلَام: اتَّقُوا أَنفُسكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاء، وَالنِّسَاء أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ، وأما الْحَمْو: فهو أَخُو الزَّوْج، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِب الزَّوْج، اِبْن الْعَمّ وَنَحْوه، قالَ التِّرْمِذِيّ: يُقَال هُوَ أَخُو الزَوْج، كُرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلُو بِهَا، وَمَعْنَى الحدِيث عَلَى نَحْو مَا رُوِيَ "لَا يَخْلُوَنّ رَجُل بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثهمَا
(1) البخاري (3786)، مسلم (2509).
(2)
عمدة القاري (20/ 214).
(3)
شرح النووي (8/ 307).
(4)
فتح الباري (9/ 381).
(5)
البخاري (5232)، مسلم (2172)، الترمذي (1171).
الشَّيْطَان" (1) وَجَرَتْ الْعَادَة بِالتَّسَاهُلِ فِيهِ، فَيَخْلُو الْأَخ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ، فَشَبَّهَهُ بِالْموْتِ وَهُوَ أَوْلي بِالمَنع مِنْ الْأَجْنَبِيّ.
وقَوْله: "الْحَمْو المَوْت" قِيلَ: المُرَاد أَنَّ الْخَلْوَة بِالحْمْوِ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى هَلَاك الدِّين إِنْ وَقَعَتْ المَعْصِيَة، أَوْ إِلَى المَوْت إِنْ وَقَعَتْ المعْصِيَة وَوَجَبَ الرَّجْم، أَوْ إِلَى هَلَاك المُرْأَة بِفِرَاقِ زَوْجهَا إِذَا حَمَلَتْهُ الْغَيْرَة عَلَى تَطْلِيقهَا، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ كُلّه الْقُرْطُبِيّ (2).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُل فَقَالَ يَا رَسُولَ الله امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّة وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا، وَكَذَا قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ (3).
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يَقُول: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُل بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ"(4).
وتقدير الحديث: لا يقعدن رجل مع امرأة إلا ومعها محرم، وإِذَا خَلَا الْأَجْنَبِيّ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْر ثَالِث مَعَهُمَا؛ فَهُوَ حَرَام بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا مَنْ لَا يُسْتَحَى مِنْهُ، لِصِغَرِهِ كَابْنِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاث وَنَحْو ذَلِكَ؛ فَإِنَّ وُجُوده كَالْعَدَمِ، وَكَذَا لَوْ اِجْتَمَعَ رِجَال بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّة فَهُوَ حَرَام (5).
وقد ترجم البخاري بقوله (باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة.
قال البدر العيني: هذه الترجمة مشتملة على حكمين أحدهما عدم جواز اختلاء الرجل بامرأة أجنبية والثاني عدم جواز الدخول على المغيبة (6).
(1) الترمذي (2165)، مسند أحمد (1/ 26)، وهو في السلسلة الصحيحة (430).
(2)
فتح الباري (9/ 380: 379).
(3)
البخاري (5233)، مسلم (1341).
(4)
البخاري (3006).
(5)
شرح النووي (5/ 120).
(6)
عمدة القاري (20/ 213).