الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاسْتَدَلُّوا بِالآيةِ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَطَأِ فِي الحكْمِ وَغَيْرِهِ
…
ولاشَكَّ فِي عِصْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحكْمِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بالْحَقِّ بِحَسَبِ صُورَةِ الدَّعْوَى وَظَاهِرِهَا لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الحكْمَ فِي شَرِيعَتِهِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَالله يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ (1).
ثالثا: شرح الحديث وبيان عصمة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن العربي: وَكُلُّ مَنْ اتَّهَمَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي الْحُكْمِ فَهُوَ كَافِرٌ، لَكِنَّ الأَنْصَارِيَّ زَلَّ زَلَّةً فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَقَالَ عَثْرَتَهُ لِعِلْمِهِ بِصِحَّةِ يَقِينِهِ وَأَنَّهَا كَانَتْ فَلْتَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بَعْدَهُ فَهُوَ عَاصٍ آثِمٌ (2).
وقال ابن حجر: وفي هذا الحديث: أن من سبق إلى شيء من مياه الأودية والسيول التي لا تملك فهو أحق به لكن ليس له إذا استغنى أن يحبس الماء عن الذي يليه وفيه أن للحاكم أن يشير بالصلح بين الخصمين ويأمر به ويرشد إليه ولا يلزمه به إلا إذا رضي وأن الحاكم يستوفي لصاحب الحق حقه إذا لم يتراضيا وأن يحكم بالحق لمن توجه له ولو لم يسأله صاحب الحق وفيه الاكتفاء من المخاصم بما يفهم عنه مقصوده من غير مبالغة في التنصيص على الدعوى ولا تحديد المدعى ولا حصره بجميع صفاته وفيه توبيخ من جفا على الحاكم ومعاقبته ويمكن أن يستدل به على أن للإمام أن يعفو عن التعزير المتعلق به لكن محل ذلك ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع.
وإنما لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم صاحب القصة لما كان عليه من تأليف الناس كما قال في حق كثير من المنافقين لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.
قال القرطبي: فلو صدر مثل هذا من أحد في حق النبي صلى الله عليه وسلم أو في حق شريعته لقُتل قتلة زنديق ونقل النووي نحوه عن العلماء والله أعلم. (3)
الوجه الثالث: حديث النهي عن الحكم حالة الغضب وشرحه، وفيه سبب النهي
.
(1) تفسير المنار 5/ 191 وما بعدها.
(2)
أحكام القرآن 2/ 407.
(3)
فتح الباري 5/ 40.
أولًا: الحديث: كتب أبو بكرة إلى ابنه وكان بسجستان بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقضينَّ حكَم بين اثنين وهو غضبان"(1).
ثانيًا: معنى الحديث:
فيه النهي عن القضاء في حال الغضب قال العلماء ويلتحق بالغضب كل حال يخرج الحاكم فيها عن سداد النظر واستقامة الحال كالشبع المفرط والجوع المقلق والهم والفرح البالغ ومدافعة الحدث وتعلق القلب بأمر ونحو ذلك وكل هذه الأحوال يكره له القضاء فيها خوفًا من الغلط (2).
وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره
…
فإنه لما نهى عن الحكم حالة الغضب فهم منه أن الحكم لا يكون إلا في حالة استقامة الفكر فكانت علة النهي المعنى المشترك وهو تغير الفكر والوصف بالغضب يسمى علة بمعنى أنه مشتمل عليه فالحق به ما في معناه كالجائع قال الشافعي في الأم أكره للحاكم أن يحكم وهو جائع أو تعب أو مشغول القلب فإن ذلك يغير القلب.
وسبب النهي: أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق فمنع وبذلك قال فقهاء الأمصار وقال بن دقيق العيد فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة على مظنة. (3)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَمَعْقُولٌ قَوْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم "لَا يَحْكُمُ الحاكِمُ وَلا يَقْضِي الْقَاضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حِينَ يَحْكُمُ فِي حَالٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا خُلُقُهُ وَلَا عَقْلُهُ، وَالحْاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تَغَيَّرَ فِيهَا عَقْلُهُ أَوْ خُلُقُهُ انْبَغَى لَهُ أَنْ لَا
(1) البخاري (6739)، ومسلم (1717).
(2)
شرح مسلم للنووي 12/ 15.
(3)
فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/ 137 بتصرف.