الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الأزهرى: والقولُ عندي هو الأَوّل إنما الصلاةُ لُزومُ ما فرَضَ الله تعالى والصلاةُ من أَعظم الفَرْض الذي أُمِرَ بلُزومِه (1).
قال ابن الأثير: وقيل أصل الصلاة التعظيم. (2)
الصلاة اصطلاحًا: والصلاة: واحدة الصلوات المفروضة، وهو اسم يوضع موضع المصدر، تقول: صليت صلاة، ولا تقل تصلية، وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الأثير: وقد تكرر في الحديث ذكر الصلاة، وهي العبادة المخصوصة، وأصلها في اللغة: الدعاء، فسميت ببعض أجزائها (3).
وسميت الصلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب - تعالى وتقدس -، وهي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة (4).
فمن ذلك يتضح أن الصلاة ليست فقط هي التي تحتوي على الركوع والسجود، وإنما هي بمعنى الدعاء، والاستغفار، والثناء، والرحمة.
فمن الله عز وجل رحمة، وثناء، ومدح؛ ومن الملائكة دعاء، واستغفار، وترحم؛ ومن الإنس والجن كذلك، كما بينا قبل ذلك.
إذًا: فمزعوماتهم وافتراءاتهم كلها مبنية على فهم خاطئ، وباطل، وهذا إن دل إنما يدل على جهلهم باللغة العربية، وعلى فهمهم القاصر.
الوجه الثالث [*]: التفسير الصحيح للآية والرد على فهمهم الخاطئ
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]، ومن قبيل هذه الآية قوله عز وجل: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ
(1) لسان العرب (4/ 2490)، خزانة الأدب (1/ 102) لعبد القادر البغدادي.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 50).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 50).
(4)
الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري (1/ 175)، الفروع لابن مفلح (1/ 285).
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع، والجادة «الرابع»
رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 157]، وقوله عز وجل:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43].
قال الطبرى: يقول تعالى ذكره: ربكم الذي تذكرونه الذكر الكثير، وتسبحونه بكرة وأصيلًا إذا أنتم فعلتم ذلك، الذي يرحمكم ويثني عليكم هو، ويدعو لكم ملائكته.
وقيل: إن معنى قوله: {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} : يشيع عنكم الذكر الجميل في عباد الله. (1)
وقال أيضًا: وأما قوله: {يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} يقول تعالى ذكره: إن الله وملائكته يبرّكون على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يحتمل أن يقال: إن معنى ذلك: أن الله يرحم النبي، وتدعو له ملائكته ويستغفرون، وذلك أن الصلاة في كلام العرب من غير الله، إنما هو دعاء. (2)
وقد ذكر البخاري كلام ابن عباس رضي الله عنهما معلقًا فقال: بَاب قَوْله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} ، قَالَ أبُو الْعَالِيَة: صَلَاة الله ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الملَائِكَة، وَصَلَاة الملَائِكَة الدُّعَاء، وقال ابن عباس:(يصلون) يبركون (3).
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قيل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد"(4).
قال ابن حجر: قَوْله: "كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم"، أَيْ: تَقَدَّمَتْ مِنْك الصَّلَاة عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيم، فنسْأَل مِنْك الصَّلَاة عَلَى مُحَمَّد، وَعَلَى آلِ مُحَمَّد بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لِأَنَّ الَّذِي يَثْبُت لِلْفَاضِلِ يَثْبُت لِلْأَفْضَلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (5)
(1) تفسير الطبري (22/ 17).
(2)
تفسير الطبري (22/ 43).
(3)
فتح الباري (8/ 532).
(4)
البخاري (4797)، ومسلم (405).
(5)
فتح الباري (8/ 625).
وقال أيضًا: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الحدِيث عَلَى جَوَاز الصَّلَاة عَلَى غَيْر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ قَوْله فِيهِ: "وَعَلَى آلِ مُحَمَّد" وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَ: بِأَنَّ الجوَاز مُقَيَّد بِمَا إِذَا وَقَعَ تَبَعًا، وَالمنْع إِذَا وَقَعَ مُسْتَقِلًّا (1)، وَالحُجَّة فِيهِ أنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُشَارِكهُ غَيْره فِيهِ، فَلَا يُقَال قَالَ أَبُو بَكْر صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا، وَيُقَال: صَلَّى الله عَلَى النَّبِيّ وَعَلَى صِدِّيقه أَوْ خَلِيفَته وَنَحْو ذَلِكَ، وَقَرِيب مِنْ هَذَا أنَّهُ لَا يُقَال: قَالَ مُحَمَّد عز وجل وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا، لِأَنَّ هَذَا الثَّنَاء صَارَ شِعَار الله سبْحَانه لَا يشَارِكهُ غَيْره فِيهِ.
وَلَا حُجَّة لمنْ أَجَازَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا فِيمَا وَقَعَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} ، ولَا فِي قَوْله:"اللهمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى". (2)
وَلَا فِي قَوْل اِمْرَأَة جَابِر "صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي، فَقَالَ: اللهمَّ صَلِّ عَلَيْهِمَا"(3) فَإِنَّ ذَلِكَ كُلّه وَقَعَ مِن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَلِصَاحِبِ الحَقّ أَنْ يَتَفَضَّل مِنْ حَقّه بِمَا شَاءَ، وَلَيْسَ لِغَيرِهِ أَنْ يَتَصَرَّف إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَثْبُت عَنْهُ إِذْن فِي ذَلِكَ. وَيُقَوِّي المَنْع بِأَنَّ الصَّلَاة عَلَى غَيْر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَارَ شِعَارًا لِأَهْلِ الْأَهْوَاء يُصَلُّونَ عَلَى مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ أَهْل الْبَيْت وَغَيْرهمْ. وَهَل المنع فِي ذَلِكَ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ خِلَاف الْأَوْلَى؟ حَكَى الْأَوْجُه الثَّلَاثَة النَّوَوِيّ فِي "الْأَذْكَار" وَصَحَّحَ الثَّانِي (4).
وقال النووى: قَوْله صلى الله عليه وسلم: "قُولُوا: اللهمَّ صلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم".
قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْبَرَكَة هُنَا الزِّيَادَة مِن الْخَيْر وَالْكَرَامَة، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى التَّطْهِير وَالتَّزْكِيَة، وأَنَّ نَبِيّنَا صلى الله عليه وسلم سَأَل ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلأَهْلِ بَيْته لِيُتِمّ النِّعْمَة عَلَيْهِمْ كَمَا أَتمّهَا عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آلِهِ، وقِيلَ: بَلْ سَأَل ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ لِيَبْقَى ذَلِكَ لَهُ دَائِمًا إِلَى يَوْم
(1) الأذكار للنووي (108).
(2)
البخاري (1497)، ومسلم (1078).
(3)
أبي داود (1533)، والسنن الكبرى للنسائي (6/ 112)(10256)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1357).
(4)
فتح الباري (8/ 625، 626).
الْقِيَامَة، وَيَجْعَل لَهُ بِهِ لِسَان صِدْق فِي الْآخِرِينَ كَإِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم.
وَأَجَابُوا عَنْ قَوْل الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} ، وَعَن الْأَحَادِيث بِأَنَّ مَا كَانَ مِن الله عز وجل ورَسُوله فَهُوَ دُعَاء وَتَرَحُّم، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيم وَالتَّوْقِير الَّذِي يَكُون مِنْ غَيْرهمَا. وَأَمَّا الصَّلَاة عَلَى الْآلِ وَالْأَزْوَاج وَالذُّرِّيَّة، فـ إِنَّمَا جَاءَ عَلَى التَّبع لَا عَلَى الاسْتِقْلَال، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُقَال تَبَعًا لِأَنَّ التَّابع يَحْتَمِل فِيهِ مَا لَا يَحْتَمِل اِسْتِقْلَالًا. (1)
وقال ابن كثير: والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا. وقد أخبر أنه سبحانه وتعالى يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 43]، وقال تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157](2).
وفي الحديث: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف". (3)
قال المناوى: أي: يستغفرون لمن عن يمين الإمام من كل صف، والمراد يستغفرون لهم أولًا أو كثيرًا اهتمامًا بشأنهم. (4)
وفي الحديث الآخر: "اللهمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى". (5)
وقال النووي: هَذَا الدُّعَاء - وَهُوَ الصَّلَاة - اِمْتِثَال لِقَوْلِ الله عز وجل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} . (6)
(1) شرح النووي (2/ 362، 363).
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 684).
(3)
أبو داود (676)، وحسنه ابن حجر في فتح الباري (2/ 249).
(4)
فيض القدير (4/ 422).
(5)
البخاري (1497)، ومسلم (1078).
(6)
شرح النووي (4/ 197).