الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشوكاني: ولما تزوّج صلى الله عليه وسلم زينب قال الناس: تزوّج امرأة ابنه، فأنزل الله {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} أي ليس بأب لزيد بن حارثة على الحقيقة حتى تحرم عليه زوجته، ولا هو أب لأحد لم يلده. (1)
وخلاصة هذا الوجه أن زيدًا لم يكن ابنا حقيقيًا للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف يتهم بأنه تزوج زوجة ابنه؟ .
الوجه الثاني: بيان نسب زيد بن حارثة رضي الله عنه فإذا لم يكن ابنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن هو
؟
هو أبو أسامة زيد -الحب- بن حارثة بن شراحيل، وقيل: شرحبيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود وسماه أبوه بضمة بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة -واسمه عمرو وإنما سمي قضاعة، لأنه انقضع عن قومه- بن مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان إلى قحطان جماع اليمن وأم زيد بن حارثة: سعدي بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت بن سلسلة من بني معن من طيء ويقع في نسبه خلاف وتغيير وزيادة، وهو الأمير الشهيد، السمى في سورة الأحزاب، ثم المحمدي، سيد الموالي، وأسبقهم إلى الإسلام، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حبه، وما أحب صلى الله عليه وسلم إلا طيبًا، ولم يسم الله تعالى في كتابه صحابيًا باسمه إلا زيد بن حارثة.
فإذا كان هذا نسبه فكيف جاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف نسب إليه.
زارت سعدى أم زيد بن حارثة قومها وزيد معها فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية فمروا على أبيات بني معن رهط أم زيد، فاحتملوا زيدًا إذ هو يومئذ غلام يفعة قد أوصف، فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي لعمته خديجة بنت خويلد بأربع مائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له فقبضه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) فتح القدير للشوكاني (سورة الأحزاب: 40).
وقال ابن عبد البر: كان زيد هذا قد أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام في سوق حباشة، وهي: سوق بناحية مكة كانت مجمعًا للعرب يتسوقون بها في كل سنة، اشتراه حكيم لخديجة بنت خويلد فوهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة، وطاف به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تبناه على حلق قريش يقول:"هذا ابني وارثًا وموروثا".
يشهدهم على ذلك. هذا كله معنى قول مصعب والزبير بن بكار وابن الكلبي وغيرهم
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} . ولما أسر خرج أبوه يطلبه وكان يقول:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل
…
أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
فوالله ما أدري وإن كنت سائلًا
…
أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة
…
فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها
…
وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره .... فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيس في الأرض جاهدًا .... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي .... وكل امرئ فان وإن غره الأجل
سأوصي به عمزا وقيسًا .... كليهما وأوصى يزيد ثم من بعده جبل
يعنى جبلة بن حارثة أخا زيد وكان أكبر من زبد ويعني يزيد أخا زيد لأمه وهو يزيد بن كعب بن شراحيل. فحج ناس من كلب فرأوا زيدًا فعرفهم وعرفوه فقال لهم: أبلغوا عني أهلي هذه الأبيات؟ فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي فقال:
أحن إلى قومي وإن كنت نائيًا
…
فإني قعيد البيت عند المشاعر
فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم
…
ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة
…
كرام معد كابرًا بعد كابر
فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة ووصفوا له موضعه وعند من هو.
فخرج حارثة وكدب ابنا شراحيل لفدائه وقدما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هو في المسجد فدخلا عليه فقال: يا بن عبد المطلب يا بن هاشم يا بن سيد قومه أنتم أهل حرم الله، وجيرانه تفكون العاني، وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه، قال:"ومن هو"، قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله:"فهلا غير ذلك؟ " قالوا: وما هو، قال:"ادعوه فأخيره؛ فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدًا"، قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت فدعاه فقال: "هل تعرف هؤلاء" قال: نعم، قال:"من هذا" قال: هذا أبي. وهذا عمي، قال:"فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما"، قال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني مكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك، وعمك، وعلى أهل بيتك؟ قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئًا، ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال:"يا من حضر، اشهدوا أن زيدًا ابني يرثني وأرثه". فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرفا، ودعي زيد بن محمد حتى جاء الإسلام فنزلت:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} . (1)
وقد اعترف أخوه جبلة بأن رأيه في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن من رأيه - فعن أبي عمرو الشيباني قال أخبرني جبلة بن حارثة أخو زيد قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ابعث معي أخي زيدًا، قال:"هو ذا" قال: فإن انطلق معك لم أمنعه، قال زيد: يا رسول الله، والله لا أختار عليك أحدًا قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي (2).
وظل زيد يُدعى زيد بن محمد حتى حرم الله التبني، وتفصيل ذلك كما في الوجه القادم.
(1) التاريخ الكبير (3/ 379)، والطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 41)، والاستيعاب لابن عبد البر، وأسد الغابة لابن الأثير ترجمة زيد، والإصابة لابن حجر (2/ 598)، وبنحو هذا أخرجه الحاكم (3/ 235).
(2)
أخرجه الترمذي (3815)، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن الرومي عن علي بن مسهر، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2998).