‌الوجه السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقض وضوئه بالنوم - موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام - جـ ٨

والحسن البصري، والزهري، وأبي قلابة، وأبي مجلز، واحتج هؤلاء بحديث "توضئوا مما مسته النار"، واحتج الجمهور بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مسته النار. وقد ذكر مسلم هنا منها جملة، وباقيها في كتب أئمة الحديث المشهورة وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار بجوابين أحدهما: أنَّه منسوخ بحديث جابر رضي الله عنه قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار.

وهو حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من أهل السنن بأسانيد صحيحة.

والجواب الثاني: أنَّ المراد بالوضوء غسل الفم والكفين.

وقد اعترض ابن عبد البر في "التمهيد" على هذا الجواب الثاني. (1)

ثم قال رحمه الله (أي النووي): ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول، ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار والله أعلم. (2)

قال ابن عبد البر: وقوله صلى الله عليه وسلم: "توضئوا مما مست النار" أمر منه بالوضوء المعهود للصلاة لمن أكل طعامًا مسته النار، وذلك عند أكثر العلماء، وعند جماعة أئمة الفقهاء منسوخ بأكله صلى الله عليه وسلم طعامًا مسته النار، وصلاته بعد ذلك دون أن يحدث وضوءًا فاستدل العلماء بذلك على أن أمره بالوضوء مما مست النار منسوخ، وأشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة والبصرة، ولم يقفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ، أو لم يعرفوا غير الوجه الواحد، فكانوا يوجبون الوضوء مما مست النار.

ثم قال: والأصل أن لا ينتقض وضوء مجتمع عليه إلا بحديث مجتمع عليه أو بدليل من كتاب أو سنة لا معارض له. (3)

‌

‌الوجه السادس: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يُنْتَقض وضوئه بالنوم

.

فقد أورد البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها حديثا في قصة

التهجد وفيه: قلت: قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ . (1)

قال ابن حجر: وهو ظاهر في أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم. (2)

قال ابن الملقن: كان لا ينتقض وضوءه بالنوم بخلاف غيره؛ لأنه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه. (3)

قال النووي في شرحه لحديث مسلم الذي أورده في باب (صلاة الليل وعدد الركعات) وفيه أن عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي". (4)

ثم ذكر النووي أن: (هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم). (5)

قال ابن حجر: وَكَانَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَتَّى عَائِشَةَ مَرْفُوعًا" إنَّ عَيْنِي تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي"، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ"، وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي حديث الإسراء. (6)

كما قال السيوطي: عن ابن مسعود قال: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنَامُ مُستَلْقِيًا حَتَّى يَنْفُخَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ"، وعلة ذلك أنه تنام عينه ولا ينام قلبه (7).

وقد ذكر العلماء أن يقظة قلوبهم تمنعهم من الحديث - أي الأنبياء - وأن نومه صلى الله عليه وسلم مضطجعًا وكذا سائر الأنبياء. (8)

* * *