الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا رسول الله أَتُزَوِّجُ بنت عمك مولاك؟ قالت: جاءتني فأعلمتني فغضبت أشدّ من غضبها، وقلت أشد من قولها فأنزل الله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} قالت: فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: إني استغفر الله وأطيع الله ورسوله، افعل ما رأيت فزوجني زيدًا، وكنت أرثى عليه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاتبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عدت فأخذته بلساني فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك زوجك واتق الله فقال: يا رسول الله أنا أطلقها قالت: فطلقني؛ فلما انقضت عدتي لم أعلم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل عليّ ببيتي، وأنا مكشوفة الشعر؛ فقلت: إنه أمر من السماء فقلت: يا رسول الله بلا خطبة ولا إشهاد؟ فقال: الله المزوج وجبريل الشاهد. (1)
الوجه السابع: بيان الحكمة في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مع أن النساء سواها كثير
.
وهذه الحكمة هي رفع الحرج من صدور المؤمنين في زواج نساء الأدعياء
لما أراد الله أن يحرم التبني بدأ في بيان ذلك بنبيه صلى الله عليه وسلم مع زوجة متبناه زيد بن حارثة رضي الله عنه؛ وقد أعلمه الله أن ذلك سيكون، وكان مقدم ذلك أن وقع بين زينب وزوجها شيء من النزاع؛ فجاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في طلاقها؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أمسك عليك زوجك واتق الله"، فعاتبه الله في ذلك؛ لأنه أخفى ما أعلمه الله به وفرضه عليه من زواج زينب رضي الله عنها خشية من كلام الناس، وها هو نص الآية قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ
(1) إسناده ضعيف جدًّا. أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 39)، والبيهقي في الكبرى (7/ 136) كلاهما من طريق حفص بن سليمان الأسدي، عن الكميت بن زيد الأسدي قال: حدثني مذكور مولى زينب بنت جحش عن زينب به. ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 52)، وهذا إسناد فيه حفص بن سليمان القارئ، وهو متروك الحديث مع إمامته في القراءة كما في التقريب 1/ 172؛ لكن قال البيهقي: وهذا وإن كان إسناده لا تقوم بمثله حجة؛ فمشهور أن زينب بنت جحش وهي من بني أسد بن خزيمة، وأمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند زيد بن حارثة حتى طلقها ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بها - وكذا في الحديث: ابنة عمك، والصواب: ابنة عمتك. اهـ
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب: 37).
قال علماؤنا: وكان سبب نزول هذه الآيات، أن الله تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه، وأن أزواجهم، لا جناح على من تبنّاهم، في نكاحهن.
وكان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولًا من رسوله وفعلًا، وإذا أراد الله أمرًا، جعل له سببًا، وكان زيد بن حارثة يدعى (زيد بن محمد) قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم، فصار يدعى إليه حتى نزل:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} فقيل له: (زيد بن حارثة) وكانت تحته، زينب بنت جحش، ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدر الله أن يكون بينها وبين زيد، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في فراقها.
قال الله عز وجل: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي: بالإسلام {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالعتق حين جاءك مشاورًا في فراقها: فقلت له ناصحًا له ومخبرًا بمصلحته: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} أي: لا تفارقها، واصبر على ما جاءك منها، {وَاتَّقِ اللَّهَ} تعالى في أمورك عامة، وفي أمر زوجك خاصة؛ فإن التقوى، تحث على الصبر، وتأمر به، {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} والذي أخفاه، أنه لو طلقها زيد، لتزوجها صلى الله عليه وسلم. كما أخبره الله عز وجل {وَتَخْشَى النَّاسَ} في عدم إبداء ما في نفسك من أمر الله {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} وأن لا تباليهم شيئًا، {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} أي: طابت نفسه، ورغب عنها، وفارقها، {زَوَّجْنَاكَهَا} وإنما فعلنا ذلك، لفائدة عظيمة، وهي:{لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} حيث رأوك تزوجت، زوج زيد بن حارثة، الذي كان من قبل، ينتسب إليك، ولما كان قوله:{لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} عامًا في جميع الأحوال، ولما كان من الأحوال، ما لا يجوز