الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس، وهي يومئذ بنت خمس وعشرين سنة (1).
قال القشيري: وهذا إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله وكيف يقال رآها فأعجبته وهي بنت عمته ولم يزل يراها منذ ولدت، ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم وهو زوَّجها لزيد؟ (2)
فعلم مما مر أنها ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها من المهاجرات الأول، فلو كانت له فيها رغبة أو هوى فما الذي منعه حتى زوّجها لزيد؟ ! وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي خطبها لزيد، وليس ذلك طعنًا فيها؛ ولذلك نذكر بعض
فضائلها
رضي الله عنها.
فضائلها:
1 -
زوّجها الله نبيه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سموات. وهي التي يقول الله فيها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (الأحزاب: 37) فزّوجها الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم بنصّ كتابه، بلا وليّ ولا شاهد.
فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين، وتقول: زوّجكن أهاليكن وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات. (3)
2 -
وهي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا". وإنما عنى طول يدها بالمعروف.
فعن عائشة رضي الله عنها: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا "قَالَتْ فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ لأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ (4).
(1) الإصابة (7/ 667).
(2)
الشفا (2/ 190).
(3)
أخرجه البخاري (6984).
(4)
مسلم (2452).
ولفظه عند الحاكم بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا"، قالت عائشة: فكنّا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمدّ أيدينا في الجدًّار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة قال: وكانت زينب امرأة صنّاعة اليد؛ فكانت تدبغ وتخرز وتصدّق في سبيل الله عز وجل.
فبشرها بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنة رضي الله عنها (1).
3 -
ثناء عائشة عليها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت في زينب بنت جحش: وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قطّ خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرّب به إلى الله تعالى ما عدا سَوْرة من حِدّة كانت فيها تسرع منها الفيئة. (2)
4 -
شرب النبي صلى الله عليه وسلم العسل عندها، فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب ابنت جحش رضي الله عنها، ويشرب عندها عسلًا، وهذا إكرام للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة غيرها، فتواصيت أنا وحفصة أن أيّتُنا دخل عليها، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير! أكلت مغافير! فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، قال: بل شربت عسلًا عند زينب، ولن أعود له، فنزلت:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (التحريم: 1) إِلَى قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} يعني: حفصة، وعائشة. {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} لِقَوْلِهِ:"بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا". (3)
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 26) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(2)
أخرجه مسلم (2442).
(3)
أخرجه البخاري (4966).
5 -
ورعها في حديث الإفك حتى شهدت لها عائشة بقولها: وأما زينب، فعصمها الله بورعها، وأما أختها حمنة فانطلقت تحارب لها فهلكت فيمن هلك تعني أقيم عليها الحد (1).
6 -
تعظيمها لأمر الله ورسوله كما في قصة زواجها من زيد بن حارثة، وسيأتي بيانه.
7 -
نزول الحجاب ليلة الدخول بها.
عن أنس رضي الله عنه قال: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلحمٍ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فيجيء قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يجيء قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو فَقُلْتُ: يَا نبي الله مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ قَالَ: "ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ"، وَبَقِي ثَلاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ:"السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ الله". فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ الله، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ الله لَكَ فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَجَعَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فَإِذَا ثَلاثَةُ رَهْطٍ في الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم شَدِيدَ الحيَاءِ، فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَمَا أَدْرِى آخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا، فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَأُخْرَى خَارِجَةً، أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الحِجَابِ (2).
(1) البخاري (3910).
(2)
أخرجه البخاري (4515)، ومسلم (1428).
8 -
شدة امتثالها لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن زينب بنت أبي سلمة أخبرته قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا"؛ ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست به ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا"(1).
9 -
متابعتها للنبي صلى الله عليه وسلم ومنافستها لغيرها في الخيرات.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح؛ ثم يدخله فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء، فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال:"ما هذا؟ " فأخبر؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آلبر تردن بهذا؟ " فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرًا من شوال (2).
10 -
خوفها وحرصها على التعلم.
فعن أم حبيبة بنت أبي سفيان - عن زينب بنت جحش رضي الله عنهن أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها"، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم إذا كثر الخبث"(3).
وفاتها: توفيت في سنة عشرين، وصلى عليها عمر رضي الله عنه. (4)
(1) أخرجه البخاري (1222).
(2)
أخرجه البخاري (1928).
(3)
البخاري (3598).
(4)
أخرجه البخاري (3168).