الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المتفق عليه أن الموت حق على كل مخلوق كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وجاء التصريح بموت النبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} ، وقوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} وقد جاءت الإرهاصات التي تشير إلى قرب أجل النبي صلى الله عليه وسلم قبل مرض موته وبينما كان فأوج فتوحاته وانتصاراته.
الوجه الثالث: القصة دالة على نبوته صلى الله عليه وسلم
-.
1 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اجْمَعُوا إِلَيَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أنتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَبُوكُمْ قَالُوا فُلَانٌ فَقَالَ كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ قَالُوا صَدَقْتَ قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا فَقَالَ لَهُمْ مَنْ أَهْلُ النَّارِ قَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اخْسَئُوا فِيهَا وَالله لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا ثُمَّ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا قَالُوا نَعَمْ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ قَالُوا أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ". (1)
قال النووي: وَقَوْله صلى الله عليه وسلم: "مَا كَانَ الله لِيُسَلِّطك عَلَى ذَاكَ أَوْ قَالَ: عَلَيَّ". (2) فِيهِ بَيَان عِصْمَته صلى الله عليه وسلم مِنْ النَّاس كُلّهمْ كَمَا قَالَ الله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وَهِيَ مُعْجِزَة لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي سَلَامَته مِنْ السُّمّ المهْلِك لِغَيْرِهِ، وَفِي إِعْلَام الله تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهَا مَسْمُومَة، وَكَلَام عُضْو مِنْهُ لَهُ، فَقَدْ جَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الذِّرَاع تُخْبِرنِي أَنَّهَا مَسْمُومَة (3) ". (4)
(1) البخاري (5777)، مسلم (2190).
(2)
مسلم (2191).
(3)
سنن أبي داود (4502)، وانظر: الطبقات الكبرى (2/ 154)، وفيه: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه فقالت: إني مسمومة.
(4)
شرح مسلم للنووي (7/ 434).
وقال ابن حجر: وَوَقَعَ فِي مُرْسَل الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا أَكْثَرَتْ السُّمّ فِي الْكَتِف وَالذِّرَاع لأَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَحَبّ أَعْضَاء الشَّاة إِلَيْهِ، وَفِيهِ "فَتَنَاوَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْكَتِف فَنَهَشَ مِنْهَا" وَفِيهِ:"فَلَمّا "ازْدَرَدَ لَقُمْته قَالَ. إِنَّ الشَّاة تُخْبِرنِي (1) " يَعْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَة. (2)
ثم قال: قَوْله: (وَإِنْ كُنْت نَبِيًّا لَمْ يَضُرّك)، يَعْنِي عَلَى الْوَجْه المَعْهُود مِنْ السُّمّ المَذْكُور.
وَفِي حَدِيث أَنَس المشَار إِلَيْهِ" فَقَالَتْ أَرَدْت لِأَقْتُلك. فَقَالَ: مَا كَانَ الله لِيُسَلِّطك عَلَى ذَلِكَ "وَفي رِوَايَة سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد بْن المُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة" فَقَالَتْ أَرَدْت أَنْ أَعْلَم إِنْ كُنْت نَبِيًّا فَسَيُطْلِعُك الله عَلَيْهِ، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَأُرِيح النَّاس مِنْك. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ (3)، وَأَخْرَجَ نَحْوه مَوْصُولًا عَنْ جَابِر، وَأَخْرَجَهُ ابْن سَعْد بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ ابْن عَبَّاس (4)، وَوَقَعَ عِنْد ابْن سَعْد عَنْ الْوَاقِدِيِّ (5) بِأَسَانِيدِهِ المُتِعَدِّدَة أَنَّهَا قَالَتْ: "قَتَلْت أَبِي وَزَوْجِي وَعَمِّي وَأَخِي وَنِلْت مِنْ قَوْمِي مَا نِلْت، فَقُلْت: إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيُخْبِرُهُ الذِّرَاع، وَإِنْ كَانَ مَلَكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ" وَفِي الحْدِيث إِخْبَاره صلى الله عليه وسلم عَنْ الْغَيْب، وَتَكْلِيم الْجَماد لَهُ، وَمُعَانِدَة الْيَهُود لاعْتِرَافِهِمْ بِصِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ اسْم أَبِيهِمْ وَبِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ دَسِيسَة السُّمّ: وَمَعَ ذَلِكَ فَعَانَدُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى تَكْذِيبه) (6).
ثم قال رحمه الله في كلامه على بعض فوائد الحديث:
وَفِيهِ أَنَّ الْأَشْيَاء - كَالسَّمُومِ وَغَيْرهَا - لَا تُؤَثِّر بِذَوَاتِهَا بَلْ بِإِذْنِ الله، لِأَنَّ السُّمّ أَثَّرَ فِي بِشْر فَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ فِي الحال، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ بَعْد حَوْل، وَوَقَعَ فِيهِ مُرْسَل الزُّهْرِيِّ فِي
(1) دلائل النبوة للبيهقي (4/ 263).
(2)
فتح الباري (10/ 256).
(3)
دلائل النبوة (4/ 260).
(4)
الطبقات الكبرى (4/ 155: 154).
(5)
وهو (محمد بن عمر).
(6)
فتح الباري (10/ 257).