الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32 - اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالوحشية في القتل كما فعل مع أم قرفة والعرنيين
.
نص الشبهة:
ادعاؤهم على النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعامل عدوه معاملة وحشية، من قتلٍ وهتك، كما فعل بأم قرفة والعرنيين لما مَثّل بهم وقتلهم شر قتلة.
والجواب عن هذه الشبهة في مبحثين:
المبحث الأول: الرد الإجمالي
من وجوه.
الوجه الأول: بيان رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه
.
الوجه الثاني: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان حتى في القتال مع الأعداء.
الوجه الثالث: تحريم الإسلام للمثلة.
الوجه الرابع: بيان حول معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للأسرى.
المبحث الثاني: الرد التفصيلي
أولًا: الرد على شبهة قتل أم قرفة
والرد عليه من وجوه
الوجه الأول: بيان ضعف قصة قتل أم قرفة.
الوجه الثاني: بيان ما ورد في الصحيح لما يخالف هذه القصة.
اوجه الثالث: على فرض صحة هذه القصة فلماذا قُتِلَت أم قرفة؟
ثانيًا: الرد على شبهة قصة العرنيين.
والرد عليه من وجوه
الوجه الأول: بيان معنى الحديث.
الوجه الثاني: هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين.
الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل بهم ذلك الأمر قصاصًا.
الوجه الرابع: أنه منسوخ وكان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة.
وإليك التفصيل
المبحث الأول: الرد الإجمالي
الوجه الأول: بيان رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه.
هذه الشبهة البغيضة إنما تطعن في جانب رحمته بالخلق عامة؛ وبأعدائه خاصة؛ وإنني إذا أردت الحديث عن رحمته صلى الله عليه وسلم لا تكفيني هذه الوريقات؛ وإنما هي إشارات وأمارات أدلل بها على سعة رحمته بكل العوالم في الكون الفسيح؛ وصدق ربب إذ يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وإنني إذا أردتُّ الحديث عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، أرى كأنني أقف أمام بحر لا ساحل له، ينتابني ما ينتاب فقيرًا خيّم الجوع على أحشائه؛ وقد دُعي إلى مأدبة ملك، لا يدري من أين يبدأ! ! ولعلي أبدأ بحاله صلى الله عليه وسلم في معاملة الحيوان (البهائم التي لا تعقل)، ثم أعرج على بيان حال معاملته مع أعدائه؛ لأدلل بالأولى على الثانية؛ لاسيما إذا كان هؤلاء الأعداء ممن يدخلون تحت قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70] فهم داخلون في عموم التكريم دون خصوصه! فعجبًا لأهل الكفر الذين يطعنون في دين الإسلام، بدعوى أنه انتهك حقوق الإنسان، أما قرأ أولئك عن حال النبي صلى الله عليه وسلم مع الحيوان؛ لتستبين لهم حرمة الإنسان في دين الإسلام؟ ! فها هو النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن اتخاذ شيء فيه الروحُ غرضًا يُرمى؛ أفينهى عن ذلك في الحيوان؛ ويرضاه في الإنسان؛ {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)} [الكهف: 5].
فقد مَرَّ عبد الله بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمّا رَأَوْا ابْنَ عُمَر تفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنْ الله مَنْ فَعَلَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا. (1)
الله أكبر أيلعن فاعل ذلك في طير؛ ويأمر به في امرأة تربط بين جملين وتفسخ نصفين! بل نهى صلى الله عليه وسلم أن يحولَ أحدٌ بين حيوانٍ أو طيرٍ وبين ولده، ونهى عن حرق كل ذي روح.
(1) مسلم (1958).
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فرَأَيْنَا حُمرَةً (1) مَعَهَا فَرْخَانِ، فأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الحمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ (2)، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَنْ فَجَعَ هَذه بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا". وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: "مَنْ حَرَّقَ هَذِه؟ "قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: "إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ". (3)
بل أبان صلى الله عليه وسلم لنا أنّ الإحسان إلى البهيمة من موجبات المغفرة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بينا رجل بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأخفه ماء، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال:"في كل ذات كبد رطبة أجر"(4).
بل الأعجب من ذلك هذه القصة:
والتي رواها لنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ. (5) قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ"(6).
فيوضح حبيبنا صلى الله عليه وسلم أنّ الإساءة إلى البهائم، ربما أودت بالعبد إلى النار والعياذ بالله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِزَةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزلًا"(7).
(1) طائر صغير كالعصفور.
(2)
تبسط جناحيها وتبحث عن ولدها.
(3)
أبو داود (1075)، وصححه الألباني في الصحيحة (25).
(4)
البخاري (2466)، ومسلم (2244).
(5)
بئر. النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 634.
(6)
البخاري (3467)، ومسلم (2245).
(7)
البخاري (2365)، ومسلم (151).