الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ"(1).
وأيضًا في حديث كعب بن عجرة، وفيه:"كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"(2).
وليس كما زعموا أن الله لم يصل على نبي قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك في هذا الحديث "وعلى آل محمد" فالنبي صلى الله عليه وسلم يطلب أن يصلى الله عز وجل عليه وعلى آله.
وقال النووي: ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء. ولا شك أن قولنا "صلى الله عليه وسلم" أو "عليه الصلاة والسلام" لا يجوز.
إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتجوز لغيره تبعًا له، لا استقلالًا، كما بين النووي في شرحه (3).
لأن للرسول صلى الله عليه وسلم فضائل عظيمة على الأمة كلها، فبه صلى الله عليه وسلم عرفنا خالقنا ومالكنا، وتشرفنا بالإيمان وعن طريقه وصلت إلينا تلك التعليمات المباركة في صورة القرآن الكريم والحديث الشريف التي بها نحصل على فلاح الدنيا والآخرة.
قال ابن عبد السلام: ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة منا له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن المكافأة بنبينا إلى الصلاة عليه، لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا، وأفضاله علينا إذ لا إحسان أفضل من إحسانه صلى الله عليه وسلم، وفائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه، دلالة ذلك على نصوع العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة، والمداومة على الطاعة، والاحترام (4).
الوجه السادس: النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، بل وأفضل الخلق. فكيف لا يُصلّى عليه
؟
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ
(1) النسائي (9891)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2/ 134).
(2)
البخاري (4797)، ومسلم (405).
(3)
شرح النووي (2/ 362).
(4)
فتح الباري (11/ 168).
يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ". (1)
قال النووى: قَالَ الْهَرَوِيُّ: السَّيِّد هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمه فِي الْخَيْر، وَقَالَ غَيْره: هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ في النَّوَائِب وَالشَّدَائِد، فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِههمْ، وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ.
وَأَمَّا قَوْله صلى الله عليه وسلم: (يَوْم الْقِيَامَة) مَعَ أنَّهُ سَيِّدهمْ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَسَبَبُ التَّقْيِيد أَنَّ في يَوْم الْقِيَامَة يَظْهَرُ سُؤْدُده لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يَبْقَى مُنَازع، وَلَا مُعَانِد، وَنَحْوه، بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكُفَّار وَزُعَماء المُشْرِكِينَ. وَهَذَا التَّقْيِيد قَرِيب مِنْ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]، مَعَ أَنَّ المُلْكَ لَهُ سُبْحَانه قَبْل ذَلِكَ، لَكِنْ كَانَ في الدُّنْيَا مَنْ يَدَّعِي المُلْكَ، أَوْ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ مَجَازًا، فَانْقَطَعَ كُلّ ذَلِكَ في الْآخِرَة.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَقَوْله صلى الله عليه وسلم: "أنا سَيِّد وَلَد آدَم" لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا، بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر مُسْلِم فِي الحدِيث المَشْهُور "أَنا سَيِّد وَلَد آدَم وَلَا فَخْرَ"(2)، وإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} [الضحى: 11].
وَالثَّانِي: أنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ، وَيَعْتَقِدُوهُ، وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ، وَيُوَقِّرُوهُ صلى الله عليه وسلم بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ الله تَعَالَى. وَهَذَا الحَدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ. (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ - وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ - فَنَهسَ مِنْهَا نَهْسَةً، وقَالَ: أنا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثم ذكر حديث الشفاعة، وفيه: فَيَأْتْونى، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ"(4).
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنِّي لأوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأُعْطَى لِوَاءَ الحَمْدِ وَلا فَخْرَ، وَأنا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ
(1) مسلم (2278).
(2)
الترمذي (3148)، (4308)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3477)، وقال: بعضه عند مسلم (194).
(3)
شرح النووي (8/ 42: 43).
(4)
البخاري (3340)، ومسلم (194).
الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأنا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَآتِى بَابَ الجَنَّةِ فآخُذُ بِحَلْقَتِهَا فَيَقُوُلونَ: مَنْ هَذَا؟ فَأَقُولُ: أنا مُحَمَّدٌ. فَيَفْتَحُونَ لِي فَأَدْخُلُ فَأَجِدُ الجَبَّارَ مُسْتَقْبِلي، فَأَسْجُدُ لَهُ فَتقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، تَكَلَّمْ يُسْمَعْ مِنْكَ، وَقُلْ يُقْبَلْ مِنْكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ" (1).
حتى إن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم سينزل في آخر الزمان ويكون واحدًا من هذه الأمة وسيصلي خلف واحد من أفرادها تشريفًا للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته.
فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، ويَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفيضَ المالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ"(2).
وفي رواية: ثُمَّ يَقُولُ أَبو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159]. (3)
قال النووى: حاكمًا بهذه الشريعة لا ينزل نبيًا برسالة مستقلة، وشريعة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة. (4)
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - قَالَ - فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لا. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ الله هَذِهِ الأُمَّةَ". (5)
وقد قال الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
(1) سنن الدارمي (1/ 41)، ومسند أحمد (3/ 144) ورجال أحمد كلهم ثقات، وصححه الألباني في الصحيحة (1571)، وقال في مختصر العلو (1/ 75) صحيح بشواهد.
(2)
البخاري (2222)، ومسلم (155).
(3)
البخاري (3448).
(4)
شرح النووي (1/ 469).
(5)
مسلم (156).