الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الحادي عشر: وله صلة بالسابق، ويعني: وحيدًا.
قال القرطبي: أي: لا أحد على دينك، وأنت وحيد ليس معك أحد، فهديت بك الخلق إليَّ.
وهذه الأقوال كلها حسان (1).
هذه مجمل المعاني الواردة في كتب المفسرين، وثم معانٍ أُخرى في التفسير الكبير للرازي، وابن الجوزي، والشفا للقاضي عياض.
الوجه الخامس: كونه (ضالًا) يعني: أميًا لا يقدح في شخص النبي صلى الله عليه وسلم
-.
فمن الإعجاز والأليق بالحكمة أن يكون الرسول الذي جاء بهذا القرآن الكريم الحكيم أميًا وهو في مواجهة كفار قريش المنكرين وإخبارهم بأنه كلام الله تعالى.
الحكمة من إرسال الرسل أن يكونوا مبشرين ومنذرين ومبلغين عن رب العالمين، وقد أيَّد الله الرسل بمعجزات تجري على أيديهم تكون تصديقًا لرسالاتهم وأنها من عند الله تعالى، وتأتي المعجزة على وفق ما نبغ فيه القوم المرسل إليهم.
فلما حذق قومُ موسى السحرَ كانت المعجزة إبطال هذا السحر في مواجهة علنية يُجمع لها الناس من كل حدب وصوب، فبطل السحر بالحق الذي ليس في وسع البشر أن يأتوا به، فكانت عصا موسى حية تلقف ما يأفكون حتى غُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وليس في مقدور البشر أن تكون العصا التي من خشب حية تأكل؛ فلذا علم السحرة أن هذا الذي أمامهم من عند الله تعالى وبقدرته، وليس بسحر أعين الناس.
ولما نبغ قوم عيسى في الطب كانت معجزته من جنس ما نبغوا فيه، فهو يُبْرِئُ الأكمه والأبرص من ساعته بإذن الله، وهذا ليس في مقدورهم، ثم هو يحيى الموتى بإذن الله، وهذا مما اختص الله به، وليس في وسع البشر، فعُلم أن هذا من عند الله، فآمن من آمن منهم.
وكان نبوغ قوم محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين - في كلامهم وما أوتوه من قوة اللفظ
(1) تفسير القرطبي (20/ 99).
وجزالته وحباهم الله تعالى بلُغة واسعة واضحة مستبينة هي التي قال الله عنها: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} ، وكانوا يتبارون في الميادين العامة كأسواق مجنة وعكاظ، ونبغ منهم أقوامٌ في قرض الشعر؛ حتى جعلوا لأشعارهم القداسة فعلقوها على الكعبة.
ولقد كانت الأمة العربية على عهد نزول القرآن، تتمتع بخصائص العروبة الكاملة التي فيها قوة الذاكرة وسرعة الحفظ وسيلان الأذهان، وكان العربي يحفظ مئات الآلاف من الأشعار، ويعرف الأحساب والأنساب فيستظهرها عن ظهر قلب، ويعرف التواريخ، وقلَّ أن تجد منهم من لا يعد لك الحسب والنسب، أو من لا يحفظ (المعلقات العشر) على كثرة أشعارها وصعوبة حفظها (1).
ومع ذلك كانوا - أعني: العربَ - أمة أُمية لا تقرأ ولا تكتب ويفشو فيهم الجهل، ولا ينقض ذلك أنهم بلغاء الكلام، فهم يعبرون باللفظ الفصيح عن ما يجري في البادية حولهم، كما لا ينقض أميتهم أن كان منهم أفراد على علم بأحوال الأمم من حولهم وعلى معرفة القراءة والكتابة، وكانت العرب تفشو بينهم أخلاق مرذولة من البغاء وأكل الأموال بالباطل، ثم كان بينهم الشرك الأكبر فعبدوا الحجارة والأصنام من دون الله تعالى.
ثم بعث الله فيهم رسولًا منهم يعرفونه ويعرفون ما عليه من جميل الأخلاق وكريمها، فكانت معجزته الباقية أبد الآبدين هي من كلام، وهو كلام الله رب العالمين، فهو ليس معجزة مادية كناقة صالح عليه السلام، أو عصا موسى عليه السلام، فتنتهي المعجزة بموته، إنما كانت معجزته صلى الله عليه وسلم كلامًا لرب العالمين يحتوي على العلم والإيمان والتشريع الذي سيبقى إلى يوم الدين، وليس بأن يبقى إلى وفاة الرسول الذي نزل عليه هذا القرآن العظيم، وهذا ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِن الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ الله إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ
(1) التبيان في علوم القرآن للصابوني (46).
تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (1).
فكان هذا هو الأليق بالحكمة أن تكون معجزة خاتم النبيين باقية من بعده، فلن يأتي نبيٌّ آخر ينذر الناس، بل هذه المعجزة التي هي كلام رب العالمين هي فيهم مقام المنذر والواعظ والناصح، فلا بد أن تكون كلامًا ربانيًا يحوي علمًا وتشريفًا للناس، هذا والذي جاء بهذا الكلام المبين الفصيح الذي يحتوي على العلم والتشريع والفصاحة والبلاغة رسول منهم يعرفونه؛ أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ثم جاءهم بكتاب فصيح بلغتهم، ويقول هذا كلام الله ويأمركم أن تتركوا ما وجدتم عليه آباءكم من عبادة الأصنام ومساوئ الأخلاق.
ويأتي التحدي على أن يأتوا بمثل هذا القرآن؛ قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، ووجه الخطاب إليهم أن يأتوا بعشر سور فقط مثله، فقال:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)} [هود: 13]، فعجزوا عن ذلك وعن ما هو دونه كما قال تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)} [يونس: 38]، فلما عجزوا عن ذلك أرادوا أن يقدحوا في الكتاب المنزل وفي ربانية الكلام الذي فيه، وأنه من تأليف الرسول، وأنه إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون.
يقول سيد قطب: حتى الماديون الملحدون في روسيا الشيوعية، عندما أرادوا أن يطعنوا في هذا الدين في مؤتمر المستشرقين عام 1954 كانت دعواهم أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عمل فرد واحد هو محمد؛ بل من عمل جماعة كبيرة، وأنه لا يمكن أن يكون قد كتب في الجزيرة العربية؛ بل إن بعض أجزائه كتب خارجها.
دعاهم إلى هذا استكثار هذا الكتاب على موهبة رجل واحد، وعلى علم أمة واحدة، ولم يقولوا ما يوحي به المنطق الطبيعي المستقيم: إنه من وحي رب العالمين؛ لأنهم ينكرون
(1) البخاري (4981).
أن يكون لهذا الوجود إله، وأن يكون هناك وحي ورسل ونبوات (1).
فتحدى الله أهل قريش على أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بمثل سورة فعجزوا وعلموا أن لا طاقة لهم بمثله ولا بمثل آية منه، فصاروا يخبطون القول ويفترون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقاويل مع علمهم بضلال كلامهم؛ قال تعالى عنهم:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} [النحل: 103]، فافتروا هذه المقالة، واختلف المفسرون في اسم هذا الذي يقصده كفار قريش، والله عز وجل ردَّ عليهم بأبلغ رد وأوضحه.
فكيف يعجزون وهم أهل العربية عن محاكاة هذا اللسان العربي المبين في القرآن ثم يعلمه ويلقنه هذه الفصاحة أعجمي أو نبط وفد إليهم.
يقول الشيخ السعدي: وذلك البشر الذي يشيرون إليه أعجمي اللسان {وَهَذَا} القرآن {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103]، هل هذا القول ممكن أو له حظ من الاحتمال؟ ! ولكن الكاذب يكذب ولا يفكر فيما يؤول إليه كذبه، فيكون في قوله من التناقض والفساد ما يوجب رده بمجرد تصوره (2).
ويقول سيد قطب: وهذه المقالة منهم يصعب حملها على الجد، وأغلب الظن أنها كيد من كيدهم الذي كانوا يدبرونه وهم يعلمون كذبه وافتراءه، وإلا فكيف يقولون وهم أخبر بقيمة هذا الكتاب وإعجازه: إن أعجميًا يملك أن يعلم محمدًا هذا الكتاب، ولئن كان قادرًا على مثله ليظهرن به لنفسه (3).
فانتفى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم هذا القرآن من بشر، كما انتفى أن يكون من تأليفه، فهو وجده ربه أُميًا فعلمه ما لم يكن يعلم وهداه، ولو كان على علم أو كتابة لظنوا
(1) في ظلال القرآن (4/ 2195).
(2)
تفسير السعدي (450).
(3)
في ظلال القرآن (4/ 2195).
فيه الظنون؛ قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)} [العنكبوت: 48].
ويقول ابن كثير: أي: قد لبثت في قومك - يا محمد - ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن عُمرًا لا تقرأ كتابًا ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أميٌّ لا تقرأ ولا تكتب، وهكذا صفته في الكتب المتقدمة، كما قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: 157]، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم[دائمًا وأبدًا] إلى يوم القيامة لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرًا ولا حرفًا بيده، بل كان له كُتاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم.
ومن زعم من متأخري الفقهاء كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه أنه صلى الله عليه وسلم كتب يوم الحديبية: "هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري: "ثم أخذ فكتب"، وهذه محمولة على الرواية الأخرى:"ثم أمر فكتب"، ولهذا اشتد النكير بين فقهاء المغرب والمشرق على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا منه، وأنشدوا في ذلك أقوالًا وخطبوا به في محافلهم: وإنما أراد الرجل - أعني الباجي، فيما يظهر عنه - أنه كتب ذلك على وجه المعجزة؛ لا أنه كان يحسن الكتابة.
وقوله: {إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} أي: لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس فيقول: إنما تعلم هذا من كُتب قبله مأثورة عن الأنبياء، مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي لا يحسن الكتابة:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5]، قال الله تعالى:{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفرقان: 6](1).
(1) تفسير ابن كثير (10/ 520).
وقال تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16].
قال ابن كثير: أي: هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك ومشيئته ولم أتقوله من عندي، والدليل أنكم عاجزون عن الإتيان بمثله، وأنتم تعلمون حالي قبل هذا الكتاب وتعلمون صدقي وأمانتي ولا تعيبون على شيئًا؛ لهذا قال:{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)} أي: أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل، ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه فيما سأله من صفة النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: فقلت: لا، وقد كان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين، ومع هذا اعترف بالحق، وَالفَضْلُ ما شَهدَتْ به الأعداءُ، فقال له هرقل: فقد أعرف أنه لم يكن ليدَعَ الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله (1).
والحديث مشهور في صحيح البخاري (2).
وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حديث الهجرة الطويل إلى الحبشة، وفيه أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه خاطب النجاشي قائلًا: حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده (3).
قال السعدي: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا} طويلًا {مِنْ قَبْلِهِ} أي: قبل تلاوته، وقبل درايتكم به، وأنا ما خطر على بالي، ولا وقع في ظني، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أني حيث لم أتقوله في مدة عمري، ولا صدر مني ما يدل على ذلك، فكيف أتقوله بعد ذلك، وقد لبثت فيكم عمرا طويلا تعرفون حقيقة حالي، بأني أمي لا أقرأ ولا أكتب، ولا أدرس ولا أتعلم من أحد؟ ، فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن - مع
(1) تفسير ابن كثير (7/ 342).
(2)
البخاري (7)، مسلم (1773).
(3)
مسند أحمد (1/ 202).
هذا - أن يكون من تلقاء نفسي، أم هذا دليل قاطع أنه تنزيل من حكيم حميد؟ .
فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب، لجزمتم جزمًا لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذ أبيتم إلا التكذيب والعناد، فأنتم لا شك أنكم ظالمون، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [يونس: 17]؟ .
فلو كنت متقولًا لكنت أظلم الناس، وفاتني الفلاح، ولم تخف عليكم حالي، ولكني جئتكم بآيات الله، فكذبتم بها، فتعين فيكم الظلم (1).
وقال ابن عاشور: فتقديره هنا: لو شاء الله ما تلوته لكنني تلوته عليكم. وتلاوته هي دليل الرسالة لأن تلاوته تتضمن إعجازه علميًا إذ جاء به من لم يكن من أهل العلم والحكمة، وبلاغيًا إذ جاء كلامًا أعجز أهل اللغة كلهم مع تضافرهم في بلاغتهم وتفاوت مراتبهم، وليس من شأن أحد من الخلق أن يكون فائقًا على جميعهم، ولا من شأن كلامه أن لا يستطيع مثلَه أحد منهم.
ولذلك فُرعت على الاستدلال جملةُ: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} تذكيرًا لهم بقديم حاله المعروفة بينهم وهي حال الأمية، أي قد كنت بين ظهرانيكم مدة طويلة، وهي أربعون سنة، تشاهدون أطوار نشأتي فلا ترون فيها حالة تشبه حالة العظمةِ، والكمال المتناهي الذي صار إليه لما أوحَى الله إليه بالرسالة، ولا بلاغة قول واشتهارًا بمقاولة أهل البلاغة والخطابة والشعر تشبه بلاغة القول الذي نطق به عن وحي القرآن، إذ لو كانت حالته بعد الوحي حالًا معتادًا وكانت بلاغة الكلام الذي جاء به كذلك لكان له من المقدمات من حين نشأته ما هو تهيئة لهذه الغاية وكان التخلق بذلك
(1) تفسير السعدي (1/ 360).