الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ينزلها إلى الحس من الرئين بقوة نفسه المؤثرة فيه، فينظرها الراؤون كأنها في الخارج، وليس هناك شيء من ذلك، كما يحكى عن بعضهم أنه يري البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك. ويسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة.
واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه، وقد نطق به القرآن. قال الله تعالى:{وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: 152). وسُحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، وجعل سحره في مشط ومشاقة وجف طلعة ودفن في بئر ذروان، فأنزل الله عز وجل عليه في المعوذتين:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} . قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت. (1)
الوجه الثاني: تخريج الحديث، والرد على من ضعفه
.
قال الإمام البخاري في صحيحه: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدِي دَعَا الله وَدَعَاهُ ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ الله قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ قُلْتُ وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ الله قَالَ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَ فِيمَا ذَا قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ قَالَ فَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي بئْرِ ذِي أَرْوَانَ قَالَ فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: وَالله لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: "لَا، أَمَّا أَنَا
(1) مقدمة ابن خلدون (صـ 497: 498).
فَقَدْ عَافَانِيَ الله وَشَفَانِي وَخَشِيتُ أَنْ أَثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ". (1)
وعند البخاري (2) من طريق عيينة عن ابن جريج قال: حدثني آل عروة عن عروة، فسألت هشامًا عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة به.
قال ابن حجر: وظاهره أن غير هشام أيضًا رواه عن عروة، وقد جاء تابعًا لعروة عن عائشة (3).
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة: من طريق سلمة بن حبان عن يزيد عن هارون أخبرنا محمد بن عبيد الله عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة وذكرت الحديث في بعض الاختلافات، فانظر هناك. (4)
قال الألباني: وهذا إسناد ضعيف جدًّا، وعلته محمد بن عبيد الله العزرمي وهو متروك، أما سلمة بن حبان فذكره ابن حبان في ثقاته، وقد روى عنه جمع من الرواة الثقات. (5)
وقد روى الحديث عن غير عائشة رضي الله عنها رواه جمع من الصحابة والتابعين مرفوعًا ومرسلًا، فروى عن أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وروي من مرسل سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم ويحيى بن يعمر وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجماعة غيرهم.
أما حديث زيد بن أرقم: فأخرجه أحمد في مسنده (4/ 367)، والنسائي في سننه (7/ 113: 112)، وعبد بن حميد في مسنده (271)، والطحاوي في المشكل (4789)، والطبراني في الكبير (5016: 5513) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم بنحوه مع اختلاف في الألفاظ.
(1) هذا الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه بالأرقام الآتية: (3268، 3175، 5763، 6391، 6063، 5766، 5765) عن جمع من الرواة كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وأخرجه مسلم في موضع واحد من صحيحه (2189) من طريقين عن هشام عن أبيه عن عائشة أيضًا، وأخرجه أحمد في مسنده (6/ 96، 63، 57 ، 50) عن جماعة من الرواة مختصرًا ومطولًا عن هشام عن أبيه عن عائشة، وكذا أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (4788). بمثل الإسناد من طريق هشام بن عروة، وأخرجه الطبراني في الأوسط (5926).
(2)
البخاري (5765)
(3)
فتح الباري (10/ 236).
(4)
دلائل النبوة (7/ 94: 92).
(5)
السلسلة الصحيحة (6/ 618).