الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صغيرها أو كبيرها، سرها وجهرها.
أيضًا فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم عظيم إنكاره على ذي الخويصرة- لعنه الله ولعن أمثاله - إذ قال الكافر اعدل يا محمد، إن هذا لقسمة ما أريد بها وجه الله تعالى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويحك من يعدل إذا أنا لم أعدل، يأمنني الله ولا تأمنوني"(1).
وقال أيضًا: أنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد، ويقع منهم أيضا قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب منه، فيوافق خلاف مراد الله تعالى؛ إلا أنه تعالى لا يقرهم على شيء من هذين الوجهين أصلًا، بل ينبههم على ذلك، ولا يداثر وقوعه منهم ويظهر عز وجل ذلك لعباده (2).
الوجه الثالث: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
-
لقد زكَّى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه الحكيم في غير موضع، قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .
قال الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به وهو الإسلام وشرائعه. (3)
وسُئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن (4).
قال النووي: قولها: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن: معناه: العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبره وحسن تلاوته (5).
كذلك نفي الله عز وجل حيدة النبي صلى الله عليه وسلم عن الطريق المستقيم، أو الغواية.
قال الطبري: وقوله {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} يقول تعالى ذكره: ما حاد صاحبكم أيها الناس عن الحق، ولا زال عنه؛ ولكنه على استقامة وسداد، ويعني بقوله {وَمَا غَوَى}
(1) الفصل في الملل والنحل 2/ 273.
(2)
الفصل في الملل والنحل 2/ 245.
(3)
تفسير الطبري 29/ 18. للمزيد انظر بحث (عصمة الأنبياء).
(4)
مسلم (746).
(5)
شرح النووي 3/ 283.
وما صار غويًا، ولكنه رشيد سديد (1).
وإليك شهادة قومه له صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} .
صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش؛ حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب، وقريش فقال:"أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي". قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"(2).
فأثبتوا الصدق له صلى الله عليه وسلم ونفوا عنه الكذب بالكلية.
ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان رضي الله عنه عن محمد صلى الله عليه وسلم، وكان أبو سفيان أنذاك كافرًا، فأجاب بإجابات شاهدة على خُلق نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلى صدقه، فكان مما سأل هرقل أبا سفيان: كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب، فقال له: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت لا. قال فهل يغدر؟ قلت لا (3).
وعن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انطلقن فقد بايعتكن" لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام، والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء إلا بما أمره الله، يقول لهن إذا أخذ عليهن:"قد بايعتكن" كلامًا (4).
وعن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه على الإسلام فقلت: يا رسول الله هلم نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق ولا نزني، ولا نأتي ببهتان
(1) تفسير الطبري 27/ 41.
(2)
البخاري (477)، مسلم (208).
(3)
البخاري (7).
(4)
البخاري (4938)، مسلم (1866).