الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرام فإذا غلب على الظن أن القبلة والمباشرة من هذا الشخص في هذا الوقت توصل إليه علم أنها حرام لكن لا لذاتها وإنما لما تؤل إليه.
وإذا علم أن إتمام الصيام واجب وهو لا يتم مع أشخاص معينين إلا بالمنع من القبلة وجب المنع منها في حقهم لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وبهذا يظهر الفرق في هذه المسألة بين من سأل نادما ومن سأل ليترخص وقد بدا عليه الشبق والشهوة، وبه يجمع بين الأدلة إن شاء الله تعالى. (1)
وها هي بعض النصوص في هذه المسألة.
أولًا: نصوص الترخيص في القبلة من غير تفرقة بين الشاب والشيخ:
(1) انظر في هذا المعنى ما سبق من كلام بن عبد البر التفرقة بين الشاب، والشيخ وانظر فتح الباري (4/ 152)، إلى هذا المعنى أشار الحافظ في التلخيص (4/ 187) عند ذكر حديث ابن عباس أنه سئل عمن قتل أله توبة فقال مرة لا وقال مرة نعم فسئل عن ذلك فقال رأيت في عيني الأول أنه يقصد القتل فقمعته وكان الثاني صاحب واقعة يطلب المخرج، قال ابن أبي شيبة: نا يزيد بن هارون أنا أبو مالك الأشجعي، عن سعد بن عبيدة، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: ألمن قتل مؤمنا توبة؟ قال: لا إلى النار، فلما ذهب، قال له جلساؤه: ما هكذا كنت تفتينا فما بال هذا اليوم قال: إني أحسبه مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا، قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك. رجاله ثقات، وروى سعيد بن منصور، نا سفيان، قال: كان أهل العلم إذا سئلوا عن القاتل، قالوا: لا توبة له، وإذا ابتلي رجل، قالوا له: تب، وفي المعنى ما أخرجه أبو داود، عن أبي هريرة، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخص له، وأتاه آخر فسأله، فنهاه. فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب.
وكذا قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: وإذا رأى المفتي من المصلحة عندما تسأله عامة أو سوقة أن يفتي بما له فيه تأول، وإن كان لا يعتقد ذلك، بل لردع السائل، وكفه، فعل، فقد روي عن ابن عباس أن رجلا سأله عن توبة القاتل، فقال: لا توبة له، وسأله آخر فقال: له توبة، ثم قال: أما الأول: فرأيت في عينيه إرادة القتل فمنعته، وأما الثاني: فجاء مستكينا، وقد قتل فلم أؤيسه.
ثم أسند عن عمر في شأن القبلة ما يدلل به على هذا الأصل في الفتوى ثم ذكر حديث أبي هريرة المرفوع الآتي ذكره ثم قال: أنا محمد بن أبي علي الأصبهاني، نا محمد بن إسحاق الأهوازي، نا عبد الأول بن إسماعيل الأهوازي، نا عبد الله بن خبيق، عن يوسف بن أسباط، عن سفيان الثوري، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال: ربما أنبأتكم بالشيء، أنهاكم عنه، احتياطا بكم، وإشفاقا على دينكم، "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل شاب، يسأله عن القبلة للصائم، فنهاه عنها، وسأله شيخ عنها فأمره بها".
1 -
عن جابر بن عبد الله، قال: قال عمر بن الخطاب: هششت (هش لهذا الأمر إذا خرج به واستبشر) فقبلت، وأنا صائم فقلت يارسول الله صنعت اليوم أمرًا عظيمًا قبلت، وأنا صائم قال:"أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم "قلت لا بأس به قال: "فمه". (1)
2 -
عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل هذه (لأم سلمة) فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال يا رسول الله: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له. (2)
فهذان الحديثان فيهما الرخصة من غير تفريق بين الشيخ والشاب، فكان إجابة لسؤال عمر رضي الله عنه وقد جاء نادمًا سائلًا ظانًا فساد الصوم بمجرد القبلة، وأيضًا فقد كان عمر شابًا ولو كانت القبلة حرامًا لقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تعد.
وأما حديث أم سلمة: فقد جاء في بعض طرقه أنه كان إجابة لسؤال أيضا كما روى عبد الله بن فروخ. (أن امرأة سألت أم سلمة فقالت: إن زوجي يقبلني وهو صائم وأنا صائمة فما ترين؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة). (3)
وفي مرسل عطاء بن يسار: أن رجلًا قبَّل امرأة، وهو صائم فوجد من ذلك وجدًّا شديدا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتها أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل، وهو صائم. فرجعت إليه فأخبرته بذلك فزاده ذلك شرًّا فقال: إنا
(1) أخرجه أبو داود (2385) وأحمد 1/ 21، 1/ 52، والدارمي 2/ 22 من طريق عبد الملك بن سعيد الأنصاري، عن جابر بن عبد الله، عن عمر بن الخطاب به. وإسناده صحيح، رجاله من رجال مسلم، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. قلت: بل على شرط مسلم، فإن عبد الملك بن سعيد الأنصاري من رجال مسلم فقط: وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2089).
(2)
أخرجه مسلم (1108).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 291 و 320)، والطحاوي (1/ 345)، وأبو نعيم في الحلية 8/ 388 من طريق طلحة بن يحيى، عن عبد الله بن فروخ، عن أم سلمة به. وهذا إسناد حسن فيه طلحة بن يحيى بن طلحة وثقه بن معين، ويعقوب بن شيبة، والعجلي، وقال أبو زرعة، والنسائي: صالح، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، حسن الحديث؛ صحيح الحديث، وقال بن عدي: روى عنه الثقات، وما برواياته عندي بأس، وقال الحافظ: صدوق يخطئ اهـ. انظر تهذيب التهذيب 5/ 25، وتقريب التهذيب (3036)، وحسن الحديث الألباني في الإرواء (4/ 82).
لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل الله لرسوله ما شاء فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة فقال: ألا أخبرتها أني أفعل ذلك؟ قالت: قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرًّا، وقال: إنا لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل الله لرسوله ما شاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده. (1)
3 -
حديث عائشة الذي معنا فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة وفي بعض ألفاظه أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وأنا صائمة. (2)
وقد كانت شابة ودليل على اختصاص الرجال بهذا الحكم دون النساء.
وعن عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليها زوجها هنالك -وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر-، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو إلى أهلك تقبلها وتلاعبها؟ قال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم.
قال محمد بن الحسن: لا بأس بالقبلة للصائم إذا ملك نفسه عن الجماع فإن خاف أن لا يملك نفسه فالكف أفضل، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة قبلنا. (3)
وقولها: نعم. في هذا دلالة على أنها لا ترى تحريمها ولا أنها من الخصائص وأنه لا فرق بين شاب، وشيخ لأن عبد الله كان شابا، ولا يعارض هذا ما للنسائي عن الأسود: قلت لعائشة أيباشر الصائم؟ قالت: لا قلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ قالت: كان
(1) أخرجه مالك برواية محمد بن الحسن (351) عن زيد بن أسلم عن عطاء به وهذا إسناد صحيح إلى عطاء، قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: وسمعت من يصل هذا الحديث، ولا يحضرني ذكر من وصله. قال البيهقي: الأمر على ما قال، فقد رواه عبد الله بن كعب الحميري عن عمر بن أبي سلمة الحميري، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فذكر بعض هذه القصة، وكأنه أراد سأله بأن بعث إليه امرأته حتى سألته. اهـ معرفة السنن والآثار للبيهقي باب القبلة للصائم.
(2)
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (2/ 93)، قال الألباني: وإسناده صحيح الإرواء 4/ 82.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ برواية محمد بن الحسن (352) قال أخبرنا أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله: أن عائشة ابنة طلحة به وهذا إسناد صحيح.