الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المستحب لأنه لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم تحتيم محو علي بنفسه، ولهذا لم ينكر. ولو حتم محوه بنفسه لم يجز لعلي تركه ولما أقره النبي صلى الله عليه وسلم على المخالفة. (1)
الوجه الثاني: محمد وسول الله وإن كره الكافرون
.
قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29).
والآيات في ذلك كثيرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي رَسُولُ الله وَلَنْ يُضيِّعَنِي الله أَبَدًا". (2)
وقال صلى الله عليه وسلم: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ". (3)
الوجه الثالث: الفوائد التي عادت على المسلمين بكتابة هذه المصالحة
.
قال ابن حجر: قال الزهري: إنما كان القتال حيث التقي الناس ولما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس كلم بعضهم بعضًا والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئًا في تلك المدة إلا دخل فيه ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر يعني؛ من صناديد قريش ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزهري أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبة في دين الله أفواجًا، وكانت الهدنة مفتاحًا لذلك ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحًا. (4)
وقد أورد ابن القيم فَصْلٌ فِي الْإِشَار إلَى بَعْضِ الْحِكَمِ الّتِي تَضَمّنَتْهَا هَذه الْهُدْنَةُ: وَهِيَ أَكْبْرُ وَأَجَلّ مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهَا إلَّا الله الّذِي أَحْكَمَ أَسْبَابَهَا فَوَقَعَتْ الْغَايَةُ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ وَحَمْدُهُ.
فَمِنْهَا: أَنّهَا كَانَتْ مُقَدّمَةً بَيْنَ يَدَيْ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ الّذِي أَعَزّ الله بِهِ رَسُولَهُ وَجُنْدَهُ وَدَخَلَ النّاسُ بِهِ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا فَكَانَتْ هَذه الْهُدْنَةُ بَابًا لَهُ وَمِفْتَاحًا وَمُؤْذِنًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهَذ عَادَةُ الله سُبْحَانَهُ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ الّتِي يَقْضِيهَا قَدَرًا وَشَرْعًا أَنْ يُوَطّئَ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا مُقَدّمَاتٍ وَتَوْطِئَاتٍ تُؤْذِنُ بِهَا وَتَدُلّ عَلَيْهَا.
(1) شرح النووي لمسلم 6/ 380 بتصرف.
(2)
البخاري (3182)، مسلم (1785).
(3)
البخاري (2864)، مسلم (1776)، وانظر: الأدلة على إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم في بحث البشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
فتح الباري 5/ 348.
وَمِنْهَا: أَنّ هَذِهِ الْهُدْنَةَ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْفُتُوحِ؛ فَإِنّ النّاسَ أَمِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاخْتَلَطَ المُسْلِمُونَ بِالْكُفّارِ وَبَادَءُوهُمْ بِالدّعْوَةِ وَأَسْمَعُوهُمْ الْقُرْآنَ وَنَاظَرُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ جَهْرَةً آمِنِينَ وَظَهَرَ مَنْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِالْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِيهِ فِي مُدّةَ الْهُدْنَةِ مَنْ شَاءَ الله أَنْ يَدْخُلَ وَلِهَذَا سَمّاهُ الله فَتْحًا مُبِينًا.
قَالَ ابْنُ قتيْبَةَ: قَضَيْنَا لَك قَضَاءً عَظِيمًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مَا قَضَى الله لَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنّ الْفَتْحَ - فِي اللّغَةِ - فَتْحُ المُغْلَقِ وَالصّلْحُ الّذِي حَصَلَ مَعَ المُشْرِكِينَ بِالْحُدَيْبِيَةِ كَانَ مَسْدُودًا مُغْلَقًا حَتّى فَتَحَهُ الله، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ فَتْحِهِ صَدّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابِهِ عَنْ الْبَيْتِ وَكَانَ فِي الصّورَةِ الظّاهِرَةِ ضَيْمًا وَهَضْمًا لِلْمُسْلِمِينَ وَفي الْبَاطِنِ عِزّا وَفَتْحًا وَنَصْرًا وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ينْظُرُ إلَى مَا وَرَاةُ مِنْ الْفَتْحِ الْعَظِيمِ وَالْعِزّ وَالنّصْرِ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقيقٍ.
فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى تِلْكَ الشّرُوطِ دُخُولَ وَاثِقٍ بِنَصْرِ الله لَهُ وَتَأْيِيدِهِ وَأَنّ الْعَاقِبَةَ لَهُ وَأَنّ تِلْكَ الشّرُوطَ وَاحْتِمَالَهَا هُوَ عَيْنُ النّصْرَةِ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الجنْدِ الّذِي أَقَامَهُ المُشْتَرِطُونَ وَنَصَبُوهُ لِحَرْبِهِمْ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ؛ فَذَلّوا مِنْ حَيْثُ طَلَبُوا الْعِزّ وَقُهِرُوا مِنْ حَيْثُ أَظْهَرُوا الْقُدْرَةَ وَالْفَخْرَ وَالْغَلَبَةَ، وَعَزّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وعَسَاكِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ انْكَسَرُو الله وَاحْتَمَلُوا الضّيْمَ لَهُ، وَفِيهِ فَدَارَ الدّوْرُ وَانْعَكَسَ الْأَمْرُ وَانْقَلَبَ الْعِزّ بِالْبَاطِلِ ذُلّا بِحَقّ، وَانْقَلَبَتْ الْكَسْرَةُ لله عِزّا بِالله، وَظَهَرَتْ حِكْمَةُ الله وَآيَاتُهُ وَتَصْدِيقُ وَعْدِهِ وَنُصْرَةُ رَسُولِهِ عَلَى أَتَمّ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا، الّتِي لَا اقْتِرَاحَ لِلْعُقُولِ وَرَاءَهَا.
وَمِنْهَا: مَا سَبّبَهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُؤْمِنِيِنَ مِنْ زَيادَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ وَالانْقِيَادِ عَلَى مَا أَحَبّوا وَكَرِهُوا، وَمَا حَصَلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الرّضَي بِقَضَاءِ الله وَتَصْدِيقِ مَوْعُودِهِ، وَانْتِظَارِ مَا وُعِدُوا بِهِ، وَشُهُودِ مِنّةِ الله وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِالسّكِينَةِ الّتِي أَنْزَلَهَا فِي قُلُوبِهِمْ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إلَيْهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، الّتِي تُزَعْزَعُ لَهَا الْجِبَالُ، فَأَنْزَلَ الله عَلَيْهِمْ مِنْ سَكِينَتِهِ مَا اطْمَأَنّتْ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَقَوِيَتْ بِهِ نُفُوسُهُمْ، وَازْدَادُوا بِهِ إيمَانًا. وَمِنْهَا: أَنّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ الّذِي حَكَمَ بِهِ لِرَسُولِهِ وَللْمُؤْمِنِينَ سَبَبًا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ المُغْفِرَةِ لِرَسُولِهِ، مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخّرَ وَلإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَلهِدَايَتِهِ الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، وَنَصْرِهِ النّصْرَ
الْعَزِيزَ، وَرِضَاهُ بِهِ، وَدُخُولِهِ تَحْتَهُ، وَانْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الضّيْمِ، وَإِعْطَاءِ مَا سَأَلُوهُ، كَانَ مِنْ الْأَسْبَابِ الّتِي نَالَ بِهَا الرّسُولُ وَأَصْحَاُبهُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الله سُبْحَانَهُ جَزَاءً وَغَايَةً، وَإِنّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى فِعْلٍ قَامَ بِالرّسُولِ وَالمُؤْمِنِينَ عِنْدَ حُكْمِهِ تَعَالَى وَفَتْحِهِ. وَتَأَمّلْ كَيْفَ وَصَفَ - سُبْحَانَهُ - النّصْرَ بِأَنّهُ عَزِيزٌ فِي هَذَا المُوْطِنِ، وكانت نفوس المؤمنين أَحْوَجَ مَا كَانَتْ إلَى السّكِينَةِ، فَازْدَادُوا بِهَا إيمَانًا إلَى إيمَانِهِمْ، ثُمّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ بَيْعَتَهُمْ لِرَسُولِهِ؛ وَأَكّدَهَا بِكَوْنِهَا بَيْعَةً لَهُ سُبْحَانَهُ؛ وَأَنّ يَدَهُ تَعَالَى كَانَتْ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ إذْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ وَهُوَ رَسُوُلهُ وَنَبِيّهُ فَالْعَقْدُ مَعَهُ عَقْدٌ مَعَ مُرْسِلِهِ وَبَيْعَتُهُ بَيْعَتُهُ؛ فَمَنْ بَايَعَهُ فَكَأَنّمَا بَايَعَ الله وَيَدُ الله فوْق يدِهِ، ثُمّ أَخْبَرَ أَنّ نَاكِثَ هَذِهِ البَيْعَةِ إنّمَا يَعُودُ نَكْثُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنّ لِلْمُوفي بِهَا أَجْرًا عَظِيمًا فَكُلّ مُؤْمِنٍ فَقَدْ بَايَعَ الله عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ بَيْعَةً عَلَى الْإِسْلَامِ وَحُقُوقِهِ فَنَاكِثٌ وَمُوفٍ.
ثُمّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ رِضَاهُ عَنْ المُؤْمِنِينَ بِدُخُولِهمْ تَحْتَ الْبَيْعَةِ لِرَسُولِهِ، وَأَنّهُ وَكَمَالِ الانْقِيَادِ وَالطّاعَةِ، وَإِيثَارِ الله وَرَسُولِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ فَأَنْزَلَ الله السّكِينَةَ وَالطّمَأْنِينَةَ وَالرّضَي فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَثَابَهُمْ عَلَى الرّضَي بِحُكْمِهِ، وَالصّبْرِ لِأَمْرِهِ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا، وَكَانَ أَوّلُ الْفَتْحِ وَالمُغَانِمِ فَتْحَ خَيْبَرَ وَمَغَانِمَهَا، ثُمّ اسْتَمَرّتْ الْفُتُوحُ وَالمُغَانِمُ إلَى انْقِضَاءِ الدّهْرِ.
وَوَعَدَهُمْ سُبْحَانَهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا، وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ عَجّلَ لهمْ هَذِهِ الْغَنِيمَةَ، وَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنّهُ الصّلْحُ الّذِي جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوّهِمْ.
وَالثّانِي: أَنّهَا فَتْحُ خَيْبَرَ وَغَنَائِمُهَا ثُمّ قَالَ: {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} (الْفَتْحُ: 20)، فَقِيلَ أَيْدِيَ أَهْلِ مَكّةَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَقِيلَ أَيْدِيَ الْيَهُودِ حِينَ هَمّوا بِأَنْ يَغْتَالُوا مَنْ بِالمُدِينَةِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الصّحَابَةِ مِنْهَا، وَقِيلَ هَمّ أَهْلِ خَيْبَرَ وَحُلَفَاؤُهُمْ، الّذِينَ أَرَادُوا نَصْرَهُمْ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ، وَقِيلَ هِيَ فَتْحُ خَيْبَرَ جَعَلَهَا آيَةً لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ وَعَلَامَةً عَلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الْفُتُوحِ؛ فَإِنّ الله سُبْحَانَهُ وَعَدَهُمْ مَغَانِمَ كَثِيرَةً وَفُتُوحًا عَظِيمَةً، فَعَجّلَ لَهُمْ فَتْحَ خَيْبَرَ، وَجَعَلَهَا آيَةً لمِا بَعْدَهَا، وَجَزَاءً لِصَبْرِهِمْ وَرِضَاهُمْ يَوْمَ الحدَيْبِيَةِ وَشُكْرَانًا، وَلِهَذَا خَصّ بِهَا وَبِغَنَائِمِهَا مَنْ شَهِدَ الحدَيْبِيةَ. ثُمّ قَالَ:{وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} فَجَمَعَ لَهُمْ إلَى النّصْرَ
وَالظّفَرَ وَالْغَنَائِمَ وَالْهِدَايَةَ؛ فَجَعَلَهُمْ مَهْدِيّينَ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ، ثُمّ وَعَدَهُمْ مَغَانِمَ كَثِيرَةً وَفُتُوحًا أُخْرَى لَمْ يَكُوُنوا ذَلِكَ الْوَقْتَ قَادِرِينَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ هِيَ مَكّةُ، وَقِيلَ هِيَ فَارِسُ وَالرّومُ، وَقِيلَ الْفُتُوحُ الّتِي بَعْدَ خَيْبَرَ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبهَا؛ ثُمّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّ الْكُفّارَ لَوْ قَاتَلُوا أَوْليَاءَهُ لَوَلّى الْكُفّارُ الْأَدْبَارَ غَيْرَ مَنْصُورِينَ، وَأَنّ هَذِهِ سُنّتُهُ فِي عِبَادِهِ قَبْلَهُمْ وَلَا تَبْدِيلَ لِسُنّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَاتَلُوهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُوَلّوا الْأَدْبَارَ؟ قِيلَ هَذَا وَعْدٌ مُعَلّقٌ بِشَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي غَيْرِ هَذَا الموْضِعِ: وَهُوَ الصّبْرُ وَالتّقْوَى، وَفَاتَ هَذَا الشّرْطُ يَوْمَ أُحُدٍ بِفَشَلِهِمْ المُنَافِي لِلصّبْرِ وَتَنَازُعِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ المُنَافِي لِلتّقْوَى، فَصَرَفَهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ وَلَمْ يَحْصُلْ الْوَعْدُ لانْتِفَاءِ شَرْطِهِ. ثُمّ ذَكَرَ - سُبْحَانَهُ - أَنّهُ هُوَ الّذِي كَفّ أَيْدِيَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَ المُؤْمِنِينَ بِهِمْ لمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الحكَمِ الْبَالِغَةِ.
ثُمّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّهُ صَدَقَ رَسُولَهُ رُؤْيَاهُ فِي دُخُولهِمْ المسْجِدَ آمِنِينَ وَأَنَّهُ سَيَكُونُ وَلَا بُدّ؛ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ آنَ وَقْتُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْعَامِ، وَالله سُبْحَانَهُ عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَةِ تَأْخِيرِهِ إلَى وَقْتِهِ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَحْبَبْتُمْ اسْتِعْجَالَ ذَلِكَ وَالرّبّ تَعَالَى يَعْلَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ التّأْخِيرِ وَحِكْمَتِهِ مَا لَمْ تَعْلَمُوهُ فَقَدّمَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا تَوْطِئَةً لَهُ وَتَمْهِيدًا. ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنّهُ هُوَ الّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ، فَقَدْ تَكَفّلَ الله لِهَذَا الْأَمْرِ بِالتّمَامِ وَالْإِظْهَارِ عَلَى جَمِيعِ أَدْيَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَفِي هَذَا تَقْوِيَةٌ لِقُلُوبِهِمْ وَبِشَارَةٌ لَهُمْ وَتَثْبِيتٌ، وَأَنْ يَكُونُوا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ هَذَا الْوَعْدِ الّذِي لَا بُدّ أَنْ يُنْجِزَهُ فَلَا تَظُنّوا أَنّ مَا وَقَعَ مِنْ الْإِغْمَاضِ وَالْقَهْرِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ نُصْرَةً لِعَدُوةِ، وَلَا تَخَلّيًا عَنْ رَسُولِهِ وَدِينِهِ، كَيْفَ وَقَدْ أَرْسَلَهُ بِدِينِهِ الْحَقّ وَوَعْدِهِ أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى كُلّ دِينٍ سِوَاهُ؟ . (1)
(1) زاد المعاد لابن القيم 3/ 275.