الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل هذه -لأم سلمة- فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له. (1)
فالتقوى في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي مجرد المنع والتحريم وإنما هي الالتزام بشرع الله تعالى أمرًا، ونهيًا، وحلًا، وتحريمًا ومن تعدى شيئا من ذلك جانب التقوى.
الوجه الخامس: معنى المباشرة الواردة في هذا الحديث
وحتى لا يفهم البعض أن المراد منها الجماع -لأن كلمة المباشرة في اللغة وفي لسان الشرع: تشمل الجماع وما دون الجماع- نبين المراد منها في هذا الحديث.
قال ابن منظور: وباشَرَ الرجلُ امرأَتَهُ مُباشَرَةً وبِشارًا كان معها في ثوب واحد فَوَلَيِتْ بَشَرَتُهُ بَشَرَتَها وقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (البقرة: 187) معنى المباشرة: الجماع، وكان الرجل يخرج من المسجد وهو معتكف فيجامع ثم يعود إِلى المسجد وهذا محمول على الليل في رمضان.
ومُباشرةُ المرأَةِ مُلامَسَتُها والحِجْرُ المُباشِرُ التي تَهُمُّ بالفَحْلِ والبَشْرُ أَيضًا المُباشَرَةُ.
وفي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ويباشر وهو صائم"(2)؛ أراد بالمباشرة في الحديث الملامسة، وأصله من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة. وقد يرد بمعنى الوطء في الفرج وخارجًا منه (3).
وفي المعجم الوسيط: باشر زوجه مباشرة، وبشارًا: لامست بشرته بشرتها (4).
(1) أخرجه مسلم (1108).
(2)
النسائي في الكبرى (3099).
(3)
لسان العرب 4/ 61 مادة "بشر".
(4)
المعجم الوسيط 1/ 59 مادة "بشر".
والبشرة: ظاهر الجلد، ومن ذلك قولهم: يباشر الرجل المرأة إذا ألصق بشرته ببشرتها (1).
ومن البشرة قيل: باشر فلان فلانًا إذا ضاجعه فوليت بشرته بشرته (2).
البشرة: ظاهر جلد الإنسان ومنه باشر الرجل المرأة، وذلك إفضاؤه ببشرته إلى بشرتها (3). وباشر الرجل زوجته تمتع ببشرتها (4).
وفي الجمع بين المعنيين وبييان المراد دنى هذا الحديث قال ابن خزيمة رحمه الله:
"باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم والدليل على أن اسم الواحد قد يقع على فعلين، أحدهما مباح، والآخر محظور، إذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع، ودل الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إن الجماع يفطر الصائم"، والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة (5).
وقال رحمه الله: إنما خاطب الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته بلغة العرب أوسع اللغات كلها، التي لا يحيط بعلم جميعها أحد غير نبي، والعرب في لغاتها توقع اسم الواحد على شيئين، وعلى أشياء ذوات عدد، وقد يسمى الشيء الواحد بأسماء، وقد يزجر الله عن الشيء، ويبيح شيئًا آخر غير الشيء المزجور عنه، ووقع اسم الواحد على الشيئين جميعًا: على المباح، وعلى المحظور، وكذلك قد يبيح الشيء المزجور عنه، ووقع اسم الواحد عليهما جميعًا، فيكون اسم الواحد واقعا على الشيئين المختلفين، أحدهما مباح، والآخر محظور، واسمهما واحد، فلم يفهم هذا من جهل لسان العرب، وحمل المعنى في ذلك على شيء
(1) جمهرة اللغة لابن دريد 1/ 135.
(2)
المخصص لابن سيده 1/ 353.
(3)
معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس 1/ 237.
(4)
المصباح المنير للفيومي تأليف أحمد علي المقري 1/ 49.
(5)
صحيح ابن خزيمة 3/ 242 - 244.