الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكره ابن حبان في الثقات وقال كان متقنًا ورعًا فاضلًا حافظًا، وقال ابن شاهين في الثقات: قال يحيى بن سعيد هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم مكي عن مكي وقال الآجري عن أبي داود لما حدث هشام بن عروة بحديث أم زرع هجره أبو الأسود يتيم عروة وقال العقيلي قال ابن لهيعة كان أبو الأسود يعجب من حديث هشام عن أبيه وربما مكث سنة لا يكلمه.
قال أبو الأسود لم يكن أحد يرفع حديث أم زرع غيره. وقال أبو الحسن بن القطان: تغير قبل موته وقال ابن حجر ولم نر له في ذلك سلفًا. وقال بن حجر ثقة فقيه ربما دلس.
شرح الحديث
سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، وهكذا في جميع الروايات وجاء في رواية سفيان بن عيينة حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن هكذا رواها عبد الله بن محمد عنه كما في البخاري. (1)
ورواه الحميدي عنه بلفظ (ليخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) كما في مسنده (2).
ورواية سفيان موضحة ومبينة للرواية الأخرى وفي مرسل سعيد بن المسيب (حتى كاد ينكر بصره).
وكانت مدة السحر ستة أشهر كما في رواية معمر بن راشد عند أحمد وذكر الحافظ أن في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي (فأقام أربعين ليلة) وجمع الحافظ بينهما بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه والأربعين يومًا من استحكامه. (3)
(أُشعرت) أي أُعلمت، وهي رواية ابن عيينة (أفتاني فيما استفتيته)
قال الحافظ: في رواية الحميدي "أفتاني في أمر استفتيته فيه" أي أجابني فيما دعوته، فأطلق على الدعاء استفتاء لأن الداعي طالب والمجيب مفت، أو المعنى أجابني بما سألته
(1) البخاري (5765).
(2)
الحميدي (259).
(3)
الفتح (10/ 237).
عنه، لأن دعاءه كان أن يطلعه الله على حقيقة ما هو فيه لما اشتبه عليه من الأمر. (1)
"جاءني رجلان" في رواية معمر عند أحمد ومرجي بن رجاء عند الطبراني كلاهما عن هشام (آتاني ملكان) وجاء في حديث زيد بن أرقم أن أحدهما جبريل ووقع في رواية أخرى ضعيفة عن ابن سعد في الطبقات. (2)
(ما وجع الرجل) وفي رواية ابن عيينة "ما بال الرجل"؟ وفيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام، إذ لو جاءا إليه في اليقظة لخاطباه وسألاه. ويحتمل أن يكون كان بصفة النائم وهو يقظان، فتخاطبا وهو يسمع. وأطلق في رواية عمرة عن عائشة أنه كان نائما، وكذا في رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي "فانتبه من نومه ذات يوم" وهو محمول على ما ذكرت، وعلى تقدير حملها على الحقيقة فرؤيا الأنبياء وحي. (3)
قلت: قد وقع في رواية معمر عند أحمد أيضًا (فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه)(مطبوب) قال الحافظ (مطبوب) أي مسحور يقال طب الرجل بالضم إذا سحر يقال: كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا كما قالوا للديغ سليم. (4)
وقال ابن الأنباري: فما نقله الحافظ عنه (الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء طب والسحر من الداء ويقال له طب).
وقال أبو عبيد: طُبَّ أي سُحر. (5)
وقال القرطبي: فيما نقله عنه الحافظ في الفتح: إنما قيل للسحر طب لأن أصل الطب الحذق بالشيء والتفطن له، فلما كان كل من علاج المرض والسحر إنما يتأتى عن فطنة وحذق أطلق على كل منهما هذا الاسم.
(1) الفتح (10/ 238).
(2)
الطبقات لابن سعد (2/ 152).
(3)
الفتح (1/ 239).
(4)
الفتح (10/ 239).
(5)
غريب الحديث (1/ 232).
(مشط ومشاطة وجُفِّ طلعة ذكر): (مشط) ذكر النووي والحافظ ابن حجر أن فيهما ثلاث لغات (مِشْط، مُشْط، مُشُط). (1)
قال الحافظ: وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر للرأس واللحية وهذا هو المشهور. (2)
قال البخاري: يقال المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط. (3)
وقال ابن قتيبة في نقله الحافظ: المشاطة ما يخرج من الشعر الذي سقط من الرأس إذا سرح بالمشط وكذا من اللحية.
وقال ابن حجر: وهذا لا اختلاف فيه بين أهل اللغة. (4)
أما المشاقة: فقد قال البخاري (المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط والشاقة من مشاقة الكتان.
وقال ابن حجر: قيل المشاقة هي المشاطة بعينها والقاف تبدل من الطاء لقرب المخرج.
(وجُفِّ طلعة ذكر) وجُفِّ وفي بعض الروايات وجُبِّ.
قال النووي: وهما بمعنى، وهو وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الذي يكون عليه، ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيده في الحديث بقوله:(طلعة ذكر) وهو بإضافة طلعة إلى ذكر. (5)
قال الحافظ: ووقع في روايتنا هنا بالتنوين فيهما على أن لفظ "ذكر" صفة لجف.
ونقل الحافظ عن القرطبي: أن الذي بالفاء هو وعاء الطلع وهو للغشاء الذي يكون عليه، وبالموحدة داخل الطلعة إذا خرج منها الكفري، قاله شمر. (6)
(1) مسلم بشرح النووي (7/ 432).
(2)
الفتح (10/ 239).
(3)
البخاري (5763).
(4)
الفتح (10/ 242).
(5)
مسلم بشرح النووي (7/ 432).
(6)
الفتح (10/ 240).
وقد وقع في رواية ابن عيينة ومعمر ومرجي بن رجاء في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر تحت راعوفة. (أي أن المشط والمشاطة بداخل الجف).
(راعوفة) قال الحافظ: والراعوفة حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي. وقد يكون في أسفل البئر.
قال أبو عبيد: هي صخرة تنزل في أسفل البئر إذا حفرت يجلس عليها الذي ينظف البئر، وهو حجر يوجد صلبًا لا يستطاع نزعه فيترك. (1)
(بِئْر ذِي أَرْوَان)
قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم: (ذِي أَرْوَان) وكذا وقع في بعض روايات البخاري.
وفي معظمها (ذروان) وكلاهما صحيح، والأول أجود وأصح. وادعى ابن قتيبة أنه الصواب، وهو قول الأصمعي، وهو بئر بالمدينة في بستان بني زريق. (2)
قال ابن حجر: بأن الأصل (بِئْر ذِي أَرْوَان) ثم كثرة الاستعمال سهَّلت الهمزة فصمارت ذروان. (3)
(لكأن ماءها نقاعة الحناء)
قال ابن حجر: أي أن بين ماء البئر بين الماء الذي ينقع فيه الحناء. قال ابن المجن: يعني أحمر. وقال الداودي. المراد الماء الذي يكون من غسالة الإناء الذي تعجن فيه الحناء. قلمت: ووقع في حديث زيد بن أرقم عند ابن سعد وصححه الحاكم "فوجد الماء وقد اخضر" وهذا يقوي قول الداودي. (4)
(قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفأخرجته؟ قال: لا)
(1) الفتح (10/ 245).
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي (7/ 433).
(3)
الفتح (10/ 240).
(4)
الفتح (10/ 241).
هكذا في معظم الروايات أن عائشة رضي الله عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن استخراج السحر وفي بعضها أجابها بـ (لا)، والبعض الآخر لم يذكر هذا الجواب ولكن قول الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها:"أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثّور على الناس منه شرًّا" يدل على أنه لم يستخرجه، ووقع في رواية سفيان ومعمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج السحر وأن سؤال عائشة كان عن النشرة.
وقد أجاب ابن المهلب فيما نقله الحافظ عنه في الفتح بجوابين عن هذا الاختلاف بين الروايات. (1)
أحدهما: أن رواية سفيان أرجح لأنها زيادة من ثقة فتكون مقبولة وأنه حفظ ما لم يحفظه غيره.
قلت: وقد تابعه معمر عند أحمد وله شاهد من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.
الثاني: أن الاستخراج المنفي في رواية أبي أسامة ومن تابعه وغيره غير الاستخراج المثبت في رواية سفيان. فالمثبت هو استخراج الجف، والمنفي هو استخراج ما حواه قال فكأن السر في ذلك أن لا يراه الناس فيتعلمه من أراد استعمال السحر.
فالنظر في هذا الحديث في مقامين:
المقام الأول: ملخص الحديث أنه صلى الله عليه وسلم في فترة من عمره ناله مرض خفيف ذكرت عائشة أشد أعراضه بقولها (حتى كان يرى أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) وفي رواية (حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) وفي أخرى (يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله) والرواية الأولى فيما يظهر أصح الروايات فالأخريان محمولتان عليها.
قال ابن حجر: قال بعض العلماء. لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك. وإنما يكون من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت.
(1) فتح الباري (10/ 245).
أقول: وفي سياق الحديث ما يشهد لهذا فإن فيه شعوره صلى الله عليه وسلم بذلك المرض ودعاءه ربه أن يشفيه.
فالذي يتحقق دلالة الخبر عليه أنه صلى الله عليه وسلم كان في تلك الفترة يعرض له خاطر أنه قد جاء لعائشة وهو صلى الله عليه وسلم عالم أنه يجئها ولكنه كان يعاوده ذلك الخاطر على خلاف عادته فتأذَّى صلى الله عليه وسلم من ذلك وليس في حمل الحديث على هذا تعسف ولا تكلف. (1)
المقام الثاني: حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: "أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه"، "أتاني رجلان" أي ملكان كما في رواية أخرى في صورة رجلين فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل؟ قال مطبوب قال ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم: قال في أي شيء؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال في بئر ذي أروان) فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه فجاء قلت يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: "قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس منه شرًّا فأمرت بها فدفنت".
ومحصل هذا أن لبيد بن الأعصم أراد إلحاق ضرر بالنبي صلى الله عليه وسلم فعمل عملًا في مشط ومشاطة
…
إلخ فهل من شأن ذلك أن يؤثر؟ قد يقال: لا، ولكن إذا شاء الله تعالى خلق الأثر وعقبه والأقرب أن يقال: نعم بإذن الله والإذن هنا خاص وبيانه أن الأفعال التي من شأنها أن تؤثر ضربان.
الضرب الأول: ما أذن الله تعالى بتأثيره إذنًا مطلقًا ثم إذا شاء منعه وذلك كالاتصال بالنار مأذون فيه بالإحراق إذنًا مطلقًا فلما أراد الله تعالى منعه قال: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى} (الأنبياء: 69).
الضرب الثاني: مما هو ممنوع من التأثير منعًا مطلقًا فإذا اقتضت الحكمة أن يمكن من التأثير رفع المنع فيؤثر وقوله تعالى في السحر: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: 102) يدل أنه من الضرب الثاني وأن المراد بالإذن: الإذن الخاص والحكمة في
(1) فتح الباري: (10/ 193).