الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث ولم يتكلم فيه أحد من أهل العلم بكلمة واحدة والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه من المتكلمين. (1)
وأما الآيات التي استدلوا بها لا حجة فيها
.
أما قوله تعالى عن الكفار أنهم قالوا {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء: 47] وقول قوم صالح له {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)} [الشعراء: 153] فقيل المراد به من له سحر وهي الرئة أي أنه بشر مثلهم يأكل ويشرب ليس بملك ليس المراد به السحر وهذا جواب غير مرض وهو في غاية البعد فإن الكفار لم يكونوا يعبرون عن البشر بمسحور ولا يعرف هذا في لغة من اللغات وحيث أرادوا هذا المعنى أتوا بصريح لفظ البشر، فقالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا أنؤمن لبشر مثلنا أبحث الله بشرا رسولا وأما المسحور فلم يريدوا به ذا السحر وهي الرئة وأي مناسبة لذكر الرئة في هذا الموضع ثم كيف يقول فرعون لموسى إني لأظنك يا موسى مسحورا أفتراه ما علم أنه له سحرا وأنه بشر ثم كيف يجيبه موسى بقوله {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)} [الإسراء: 102] ولو أراد بالمسحور أنه بشر لصدقه موسى وقال نعم أنا بشر أرسلني الله إليك كما قالت الرسل لقومهم لما قالوا لهم إن أنتم إلا بشرا مثلنا فقالوا إن نحن إلا بشرًا مثلكم ولم ينكروا ذلك فهذا الجواب في غاية الضعف وأجابت طائفة منهم ابن جرير وغيره بأن المسحور هنا هو معلم السحر الذي قد علمه إياه غيره فالمسحور عنده بمعنى ساحر أي عالم بالسحر وهذا جيد إن ساعدت عليه اللغة وهو أن من علم السحر يقال له مسحور ولا يكاد هذا يعرف في الاستعمال ولا في اللغة وإنما المسحور من سحره غيره كالمطبوب والمضروب والمقتول وبابه.
وأما من علم السحر فإنه يقال له ساحر بمعنى أنه عالم بالسحر وإن لم يسحره غيره كما قال قوم فرعون لموسى {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)} [الشعراء: 34] ففرعون قذفه
(1) بدائع الفوائد لابن القيم (2/ 449: 453).
بكونه مسحورا وقومه قذفوه بكونه ساحرا فالصواب هو الجواب الثالث وهو جواب صاحب الكشاف وغيره إن المسحور على بابه وهو من سحر حتى جن فقالوا مسحور مثل مجنون زائل العقل لا يعقل ما يقول فإن المسحور الذي لا يتبع هو الذي فسد عقله بحيث لا يدري ما يقول فهو كالجنون ولهذا قالوا فيه معلم مجنون فأما من أصيب في يده بمرض من الأمراض يصاب به الناس فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان وإنما قذفوهم بما يحذرون به سفهاءهم من اتباعهم وهو أنهم قد سحروا حتى صاروا لا يعلمون ما يقولون بمنزلة المجانين ولهذا قال تعالى {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)} [الإسراء: 48] مثلوك بالشاعر مرة والساحر أخرى والمجنون مرة والمسحور أخرى فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في تيهه وتحيره طريقا يسلكه فلا يقدر عليه فإن أي طريق أخذها فهي طريق ضلال وحيرة فهو متحير في أمره لا يهتدي سبيلا ولا يقدر على سلوكها فهكذا حال أعداء رسول الله معه حتى ضربوا له أمثالا برأه الله منها وهو أبعد خلق الله منها وقد علم كل عاقل أنها كذب وافتراء وبهتان.
والله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء على شفاء من يشاء من غير سبب والسحر من الأسباب التي يحصل بها الضرر وقد نال الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم ذلك الضرر وهو القدوة والأسوة قوله وفعله صلوات الله وسلامه عليه شرع وتنهج لأمته.
وقد بين الله تعالى له بواسطة الملكين سبب وجعه ومادته ومكانه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفاني "أو" أعلمت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه" أو نحو ذلك.
وهذه الألفاظ توحي بإزالة السبب ليزول المسبب وهي الفتوى التي فيها الشفاء وقد بادر العبد الرسول صلى الله عليه وسلم بإتيانها وإخراجها وحلها ليبطل تأثيرها وهذا مما لا يخفى حيث أن الأثر يزول بزوال مؤثره إذا كان مرتبطًا به كأثر المغناطيس في الجذب والبرودة في الثلج ونحو ذلك مما لا يزول أثره إلا بإزالته أو بأن يمنع من أثره مؤثر أقوى منه.