الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} فيها تأكيد على عدم الكتابة باليد، والآية تشبه قول العرب: كتبت بيدي رأيت بعيني، وسمعت بأذني، وتشبه قوله تعالى:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} وقوله: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وقوله: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142]. فكل ذلك قد خرج مخرج الغالب (1).
قال ابن كثير: قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو} أي: تقرأ (2).
الوجه الثاني: علوم الكتاب مما يعجز عن وضعة بشر
إذا أرادت دولة من الدول أن تؤلف قانونًا ودستورًا ليحكم ذمام الدولة في كل النواحي: السياسية، والثقافية، والاقتصادية، ليكون دستورًا جامعًا مانعًا: فهل المختصون بوضع هذا القانون، لهم أن يكتفوا بقراءة كتاب أو كتابين فقط! بل العجيب أن كل واحد من هؤلاء لا بد أن يتوفر فيه شروطًا كثيرة، تؤهله بأن تثق فيه الدولة لتسند له أمرًا عظيمًا، وهو وضع دستور لملايين البشر، الذي يعيشون في هذه الدولة، والأجيال التي ستولد من بعد ذلك. فمن الشروط الواجب توافرها في كل مختص: في السياسية أو الثقافة أو الاقتصاد، أن يكون حاصلًا على شهادات عليا من بلده، أو من خارج بلده، وهذا الشرط بمفرده كافٍ بأن نقول أن هذا المختص قد قرأ آلاف من الكتب سواء، عندما كان في مراحل التعليم منذ صغره حتى تخرج من الجامعة، أو بعدما تخرج من الجامعة، حتى حصل على درجة الدكتوراة، أو عندما شرع في كتابة دستورًا ليكون جامعًا مانعًا في مجاله الذي هو منشغل به.
فنقول مما سبق أن القرآن إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤلفه -إذا افترضنا صحة قولكم أنه كان يقرأ ويكتب- فهو يحتاج أولًا: أن يكون مثقفًا في كتب اليونان حتى يكون له حكمة فلسفية لوضع النظريات والمقدمات الصغرى والكبرى، ليستنبط النتائج المؤدية لتأليفه هذا القرآن؛
(1) تفسير القرآن العظيم 1/ 539.
(2)
تفسير القرآن العظيم 6/ 285.
لأنه سوف يتبعه الملايين من البشر؛ فلا بد أن تكون نظرياته محكمة وفكره صائبًا، فكان لزامًا أن يقرأ لأرسطو وأفلاطون، ولا يكتفي بقراءة التوراة والإنجيل فقط، وهل نقول أن قوله {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} أن المقصود به قراءة التوراة والإنجيل فقط.
ثانيًا: كان يحتاج النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتأليفه للقرآن أن يقرأ كتبًا في الفلك، خصوصًا أن في القرآن نظريات تقتضي خطأ النظريات الفلكية الموجودة في التوراة والإنجيل، وهذا يتضح من الأبحاث العلمية الفلكية المقارنة بين ما في القرآن من اختلاف في النظرة للكون عما في التوراة والإنجيل.
وهل نقول أن قوله {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} أن المقصود به قراءة التوراة والإنجيل فقط، مع كثرة الاختلافات الفلكية بين القرآن، وبين التوراة والإنجيل.
كان يحتاج النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتأليفه للقرآن أن يقرأ كتبًا في الاقتصاد، حتى يعلم كيف يحدد أنصاب الزكاة، وتقسيم الغنائم، ووضع ميزانًا محكمًا لأمر الخراج والجزية، وهذا كله ليس مفصلًا لا في التوراة ولا في الإنجيل. فهل تدَّعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأهما فقط! إذًا من أين أتى بهذه التفصيلات الاقتصادية السابقة، التي قام اقتصاد الدولة الإسلامية عليه بعد ذلك.
فإذا قلتم أنه قرأ كتبًا أخرى في الاقتصاد، فنقول إذًا قوله:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} ليس المقصود بكلمة {كِتَابٍ} الكتب السماوية فقط، وإذا قلتم أنه لم يقرأ كتابًا غير التوراة والإنجيل؛ قلنا فما هي تلك الكتب الاقتصادية التي قرأ منها ووضع ميزانًا محكمًا في الاقتصاد، جعل به دولة كاملة تمتد خارج الجزيرة العربية، وتشمل دولًا كثيرة تحت رعايتها، فلو كان الاقتصاد الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن- كما تدَّعون- اشتراكيًا لصعب عليه أن يأخذ في كنفه تلك الأنظمة الدكتاتورية، التي كانت مسيطرة على بلاد الفرس.
فإما أنه كان لديه ثقافات واسعة النطاق، حتى يحكم اقتصاد دولته، وإما أنه كان مؤيدًا من ربه، والله لا يؤيد رجلًا يدعي أنه ألَّف كتابًا ثم نسبه إلى الله، إذًا فالقرآن كلام الله أنزله على نبيه الأمي.
من المفترض -على زعمكم- أنه تعلم الطب حتى لا يخطئ في وضع وصفة طبية خاطئة، فقد نصح بالحجامة، فمن أدراه أن فيها شفاءً عجيبًا علمه الأطباء في العصر