الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، حيث جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (
…
فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم ....) (1).
وجه الاستدلال:
حيث دلّ الحديث بظاهره على أن الزَّكاة لا تكون إِلَّا في الفقراء، ومنهم الغازي في سبيل الله، فلا يأخذ منها إِلَّا بوصف الفقر (2).
مناقشة الاستدلال:
نوقش الاستدلال بهذا الحديث بعدة مناقشات:
أوَّلًا: أن هذا الحديث الّذي استدلوا به عام، مخصوص بحديث أبي سعيد الخدري السابق، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تحل الصَّدقة لغني إِلَّا لخمسة: لغاز في سبيل الله ....)(3) الحديث. حيث استثنى النّبيّ صلى الله عليه وسلم الغازي في سبيل الله، وبقية الخمسة المذكورين في الحديث في جواز الأخذ من الزَّكاة مع الغنى (4).
ثانيًا: أن الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين، وعدّ بعدهما ستة أصناف؛ فلا يلزم وجود صفة المصنفين في بقية الأصناف، كما لا يلزم وجود صفة الأصناف فيهما (5).
ثالثًا: أن هذا الغازي، إنّما يأخذ مع الغنى من الزَّكاة لحاجتنا إليه، فأشبه العامل والمؤلِّف، فأمّا أهل سائر السهمان، فإنّما يعتبر فقر من ياخذ لحاجته إليها، دون من
(1) سبق تخريجه، راجع مبحث أخذ المال على الزَّكاة.
(2)
المغني لابن قدامة: 9/ 326، 327.
(3)
سبق تخريجه، راجع ص 418.
(4)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 8/ 18.
(5)
المغني لابن قدامة: 9/ 327.
يأخذ لحاجتنا إليه (1).
رابعًا: -أن ما ذهب إليه الحنفية، إنّما هو زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ عندهم، والنسخ لايكون إِلَّا بقرآن، أو خبر متواتر (2)، وذلك معدوم هنا (3).
وبهذا يتبين أن ما ذهب إليه الحنفية عن اشتراط كون المجاهد فقيرًا حتّى يجوز له الأخذ من الزَّكاة، غير صحيح. وعليه، فإن ما ذهب الجمهور من عدم اشتراط الفقر في المجاهد هو الحقال في لاريب فيه؛ وذلك لما يأتي:
1 -
قوة ما ذهب إليه الجمهور، حيث جاء حديث أبي سعيد الخدري نصًا في محل النزاع.
2 -
أن هذا القيد يجعل مصرف (في سبيل الله) لا وجود له؛ لأنّه بهذا القيد يرجع إلى المصرف الأوّل، وهم:(الفقراء)، وهذا لا يصح؛ لأنّ الله تعالى ذكر ثمانية مصارف، وغاير بينهما، فدل على أن مصرف (في سبيل الله) يختلف عن مصرف (الفقراء).
3 -
أن ما أجابوا به عن حديث أبي سعيد، من حمل الغنى في الحديث على قوة البدن، تأويل بعيد يرده ظاهر النص، ودلالة السياق.
(1) المغني لابن قدامة: 9/ 327.
(2)
التواتر لغة: التتابع. القاموس المحيط: ص/ 631، مادة: وتر.
اصطلاحًا:
أ - عند الأصولين والفقهاء: (هو خبر أقوام بلغوا في الكثرة إلى حيث يحصل العلم بقولهم): المحصول للرازي؛ 4/ 227.
ب - عند المحدثين: (هو ما هواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، أو صدوره منهم اتفاقًا من غير قصد، ويستمر ذلك من أو له إلى اخره، ويكون مرجعه إلى الحس من مشاهدة، أو مسموع، أو نحوهما): نزهة النظر لابن حجر مع النكت لعلّي حسن: ص/52 - 55، الوسيط في علوم ومصطلح الحديث لأبي شهبة: ص/189.
(3)
أحكام القران لابن العربي: 2/ 969.
ب - أن لا يكون الغزاة ممّن لهم سهم في ديوان المرتزقة:
ذهب الشّافعيّة (1)، والحنابلة (2)، إلى اشتراط كون الغزاة متطوعين لا حق لهم في ديوان المرتزقة من بيت المال.
وقد عللوا ذلك بما يأتي:
أن من له رزق راتب يكفيه، فهو مستغنٍ به، فلا يعطى من الصدقات (3).
(1) المهذب للشيرازي: 1/ 173، المجموع للنووي: 6/ 212.
(2)
المغني لابن قدامة: 9/ 327، المبدع لابن مفلح: 2/ 424.
(3)
المهذب للشيرازي: 1/ 172، المبدع لابن مفلح، 2/ 424، المقنع لابن قدامة، مع حاشيته: 1/ 349.