الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثّالثة: التكييف الفقهي للودائع المصرفية
بعد التعريف بالودائع المصرفية وبيان أنواعها يتبين أن هذه الودائع ليست ودائع حقيقية بالمفهوم الشرعي للوديعة، وإنّما هي سورة من صور الإقراض، فالودائع المصرفية في حقيقتها تنطوي على عقد قرض وتسميتها بالوديعة لا يغير هذه الحقيقة، وذلك لأنّ الوديعة الشرعية لها خصائص وآثار تميزها، ومن ذلك:
1 -
أن الوديع يلتزم بحفظ الوديعة ويلتزم بردها بذاتها فإن تصرف فيها فإن ذلك يعد خيانة للأمانة، بينما العرف في المصارف أنّهم يملكون الوديعة ويتصرفون فيها ولا يحتفظون بعينها ويضمنون مثلها.
2 -
أن الوديعة إذا تلفت بقوة قاهرة من غير تعد ولا تفريط من المودَع أو ضاعت بغير صفة فلا ضمان عليه، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
أمّا في غير المصارف فإننا نجد أنّهم ملزمون بردها وضامنون لها، ولو تلفت بغير تفريط.
3 -
لو أفلس المصرف، ففي هذه الحالة لا يعامل المودع على أساس أنّه مالك للوديعة فتكون له الأولوية على الغرماء، ولكنه يعامل في هذه الحالة على أساس أنّه دائن عادي يخضع لقسمة غرمائه.
ممّا سبق يتبين أن هذه الخصائص المميزة لعقد الوديعة الشرعية لا تسري على الوديعة المصرفية، وأن حقيقتها الظاهرة أنّها قرض لا وديعة بالمفهوم الشرعي (1). ومما يؤيد هذا أن الإيداع المصرفي لم يكن من أجل الحفظ كما هو الشأن في الوديعة الشرعية، وإنّما انطوى على إذن صريح باستعمال الوديعة (2)، والوديعة هنا نقدية، وهي ممّا يهلك بالاستعمال فتصبح قرضًا يملكه البنك ويتحمل خطر هلاكه
(1) الرِّبَا والمعاملات المصرفية للمترك، ص: 346 - 347، البنك اللاربوي للصدر، ص:210 الودائع المصرفية للأمين، ص:232.
(2)
بل تشترط البنوك على المودع أن تستعمل الوديعة في أعمالها المصرفية والاتجار بها ولا يحق للعميل طلب الربح عليها، جاء في طلب فتح حساب جار لشركة الراجحي المصرفية ما يأتى: (يحق للشركة استخدام الأموال المودعة في هذا الحساب مع ضمان الشركة بدفعها عند الطلب بدون حق لي في الأرباح الّتي تحققها الشركة
…
).
ولو بقوة قاهرة (1)، بقي أن إطلاق اسم الوديعة على هذه الأموال الّتي تتلقاها البنوك، حتّى اشتهرت باسم الودائع المصرفية، لا يغير من حقيقتها وهي كونها قرضًا، وإنّما أطلق عليها اسم الودائع؛ لأنّها تاريخيا بدأت بشكل ودائع وتطورت خلال تجارب البنوك واتساع أعمالها إلى قروض، فظلت تحتفظ من الناحية اللفظية باسم الودائع، وإن فقدت المضمون الفقهي لهذا المصطلح (2).
وقد ذهب البعض إلى التفريق بين أنواع الودائع ففرقوا بين الوديعة الجارية (تحت الطلب)، وبين الوديعة لأجل، فعدوا الوديعة المؤجلة قرضًا، والوديعة تحت الطلب وديعة حقيقية بالمعنى الشرعي للوديعة (3).
وفي الحقيقة أن هذا تفريق بعيد لا يلتفت إليه؛ لأنَّ ما ذكر سابقًا عن حقيقة الوديعة الشرعية لا يمكن بحال أن يسري على أحكام الوديعة الجارية (تحت الطلب)، فلا يمكن للوديعة تحت الطلب أن تكون وديعة حقيقية إِلَّا إذا توفرت فيها جميع خصائص وسمات الوديعة الشرعية وهذا لا يقول به أحد.
وذهب البعض إلى تكييف الوديعة المصرفية على أنّها إجارة شرعية بناءً على أن بعض الفقهاء عد الوديعة الشرعية بأجرة من قبيل الإجارة وقد عللوا ذلك: بأن عقد الإجارة ينصب على بيع المنفعة أي الخدمة وهي هنا تتمثل في قيام المصرف بأداء خدمة (منفعة) لعميله من حيث تولية حفظ النقود أو المستندات المودعة بمعرفة
(1) الودائع المصرفية للأمين ص: 232.
(2)
البنك اللاربوي للصدر، ص:84.
(3)
وقد ذهب إلى هذا الدكتور حسن عبد الله الأمين، كما في كتابه الودائع المصرفية ص: 232 - 233.