الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّاني أخذ المال على القتال
المطلب الأوّل استئجار المسلم للقتال
الجهاد في سبيل الله، حكمه في الأصل أنّه فرض كفاية (1)، وقد يتعين في حالات ذكرها العلماء (2).
فإذا كان الجهاد فرض عين، فإنّه لايجوز الاستئجار عليه باتِّفاق أهل العلم، حكمه في ذلك حكم فروض الأعيان الّتي لايجوز الاستئجار عليها؛ كصلاة الإنسان لنفسه، وصيامه لنفسه، وحجه لنفسه (3).
(1) حاشية ابن عابدين: 3/ 218، 219، بداية المجتهد لابن رشد: 1/ 380، وقد نقل الإجماع على أن الجهاد فرض كفاية؛ قال: "فأمّا حكم هذه الوظيفة، فأجمع العلماء على أنّها فرض على الكفاية لا فرض عين
…
"، روضة الطالبين للنووي: 10/ 208، مغني المحتاج للشربيني: 4/ 209، المغني لابن قدامة: 13/ 6، السيل الجرار للشوكاني: 4/ 518.
(2)
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجهاد يهون فرض عين في الحالات الآتية:
أ - إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفان، أي: أنّه إذا حضرٍ ميدان المعركة، ففي هذه الحالة يتعين عليه المقام، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ....} سورة الأنفال: آية: 45.
ب - إذا هجم العدو على البلد، فيتعين حينئذ الدفع، ويحرم الانصراف؛ لأنّ دفع ضرره عن الدِّين، والنفس، والحرمة واجب إجماعًا.
جـ - إذا استنفر الإمام قومًا بأعينهم، فإنّه يتعين عليهم النَّفْير معه؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ
…
} الآية: سورة التوبة/ آية: 38: حاشية ابن عابدين: 3/ 221، حاشية الدسوقي: 2/ 174، روضة الطالبين للنووي: 10/ 215، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم: 4/ 256 - 258، الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص /308، زاد المعاد لابن القيم: 3/ 558.
(3)
السير الكبير لمحمد بن الحسن مع شرحه للإمام السرخسي: 3/ 862. المدوّنة للإمام مالك: 2/ 44، شرح السُّنَّة للبغوي: 11/ 16، روضة الطالبين للنووي: 10/ 240، مغني المحتاج للشربيني: 2/ 344، الإنصاف للمرداوي: 4/ 181.
أمّا إذا كان الجهاد فرض كفاية، فقد اختلف العلماء في حكم الاستئجار عليه على قولين:
القول الأوّل: المنع مطلقًا من الاستئجار على الجهاد؛ سواء أكان المستأجر هو الإمام، أم غيره من أفراد الرعية، وسواء أكان الأجير ممّن يلزمه الجهاد في الأصل، وهو المسلم الحر، أم كان ممّن لايلزمه الجهاد في الأصل؛ كالعبد، والمرأة.
وإلى هذا القول ذهب الحنفية (1)؛ قال السرخسي: "
…
واستئجار المسلم على الجهاد باطل" (2)، وهو الذهب عند المالكية، كما في الدونة (3).
قال ابن القاسم: "والذي يؤاجر نفسه في الغزو، أن ذلك لا يجوز في قول مالك، وهو رأي، أنّه لا يجوز ..... (4).
وهو مذهب الشّافعيّة (5)، قال النووي: "لا يجوز أن يستأجر الإمام، ولا أحد الرعية مسلمًا للجهاد
…
" (6).
وهذا القول هو المشهور من الذهب عند الحنابلة (7)، قال ابن النجار الفتوحي:"ولاتصح الإجارة على الجهاد على الأصح"(8).
(1) كتاب السير الكبير لمحمد الحسن مع شرح السرخسي: 1/ 139، 3/ 862، 875، 944، بدائع الصنائع للكاساني: 4/ 191.
(2)
شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن، للإمام السرخسي: 3/ 862.
(3)
المدوّنة للإمام مالك 2/ 44.
(4)
المدوّنة للإمام مالك: 2/ 44.
(5)
شرح السُّنَّة للبغوي: 11/ 6، نهاية المحتاج للرملي: 5/ 290.
(6)
روضة الطالبين للنووي: 10/ 240.
(7)
الإنصاف للمرداوي: 4/ 180، كشاف القناع للبهوتي: 3/ 90.
(8)
معونة أولي النّهي لابن النجار: 3/ 703، 704.
القول الثّاني: يجوز الاستئجار على الجهاد، إذا كان فرض كفاية؛ سواء كان المستأجر الإمام، أم غيره، وسواء أكان الأجير ممّن يلزمه الجهاد؛ كالمسلم الحر، أم ممّن لا يلزمه؛ كالعبد، والمرأة.
وإلى هذا القول ذهب بعض المالكية (1)، وخصه ابن عبد البر بالإمام خاصّة؛ قال:"ولاباس أن يستأجر (2) الغازي يغزو معه، ولاحرج على من آجر نفسه منه"(3).
وما ذهب إليه ابن عبد البر هو قول الصَّيدلُّاني (4) من الشّافعيّة؛ قال النووي: "وعن الصَّيدلُّاني: أنّه يجوز للإمام أن يستأجره، ويعطيه أجره من سهم المصالح"(5).
وهذا القول هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وحمه الله تعالى، وهو قول الخرقي، وإليه مال ابن قدامة في المغني (6).
(1) مواهب الجليل للحطاب: 3/ 356، التاج والإكليل للمواق بهامش مواهب الجليل: 3/ 356.
(2)
أي: الإمام خاصّة دون غيره من آحاد الرعية.
(3)
الكافي لابن عبد البرّ: 1/ 465.
(4)
هو: محمّد بن داود بن محمّد المروزي الداوودي، أبو بكر الصَّيدلُّاني، من أئمة الشّافعيّة، ومن عظماء تلامذة أبي بكر القفال المروزي، له مؤلفات كثيرة منها: شرح مختصر المزني، وشرع فروع الفقه لابن الحداد، تأخرت وفاته عن أبي بكر القفال بنحو عشرين سنة، ولم تذكر له كتب التراجم تاريخًا لوفاته، وقيل: إنّه توفي في حدود سنة 427 هـ تقريبًا: طبقات الشّافعيّة الكبرى للسبكي: 4/ 148، 5/ 364، وطبقات الشّافعيّة للإسنوي: 2/ 129، 130، طبقات الشّافعيّة لابن هداية الله، ص/ 152، 153.
(5)
روضة الطالبين للنووي: 10/ 240، وقد ذكر في حكم استئجار العبيد وجوهًا واحتمالات
(6)
المغني لابن قدامة: 13/ 163، 164، شرح الزركشي على الخرقي: 6/ 534، الفررع لابن مفلح: 6/ 231، المبدع لبرهان الدِّين بن مفلح: 3/ 370، الإنصاف للمرداوي: 4/ 179 وما بعدها. وقد ورد عن الإمام أحمد ما يحتمل القول جهواز الاستئجار على الجهاد بإطلاق، من ذلك ما جاء في مسائل الإمام أحمد من رواية ابنه عبد الله؛ قال:"سألت أبي عن الإمام يستأجر قومًا قبل أن يدخل البلاد، يغزو بهم، فما غنموا فله دونهم؛ فقال: لا يسهم لهم، ولكن يوفي لهم ما استؤجروا عليه "اهـ ص/249، فقد حمل القاضي أبو يعلى كلام الإمام أحمد على من لايجب عليه الجهاد؛ كالعبد والكفار: المغني لابن قدامة: 13/ 164، المقنع في شرح مختصر الخرفي لابن البنا: 3/ 1185.