الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثّاني حكم الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم
تقدّم في المسألةُ السابقة أن وصول الثّواب للأموات أمر مختلف فيه، فالذين منعوا وصول الثّواب هناك منعوا جواز الاستئجار هنا، وأمّا الذين قالوا بوصول الثّواب وهم الجمهور، فالذي نلحظه هنا أنّهم لم يقولوا بجواز الاستئجار على التلاوة، ويرجع ذلك إلى أن مدرك هذه المسألةُ عندهم ليس هو فقط مجرد وصول الثّواب من عدمه، وإنّما لهم مدارك أخرى في المنع من الاستئجار، على ما سيأتي بيانه في ثنايا بحث المسألة.
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في حكم الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم على قولين:
القول الأوّل:
لا يجوز الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم.
وبهذا قال جمهور الفقهاء، فقد قال بذلك الحنفية (1)، وهو المشهور عند المالكية (2) والمشهور عند الشّافعيّة (3)، وهو مذهب الحنابلة (4)، وهو الّذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (5).
(1) حاشية ابن عابدين 2/ 236، 5/ 34، 35، رسائل ابن عابدين 1/ 167 وما بعدها.
(2)
الفروق للقرافي 3/ 192، حاشية الدسوقي 1/ 423، قلت: نصّ المالكية على أن جواز الإجارة مبنى على وصول ثواب التلاوة، والمشهور من المذهب عدم وصول ثواب التلاوة كما تقدّم، وعليه فالمنع من الإجارة على التلاوة هو المشهور. حاشية البناني على الزرقاني 7/ 24، منح الجليل لعلّيش 7/ 499.
(3)
شرح النووي على مسلم 1/ 90، 7/ 90، مغني المحتاج للشربيني 3/ 69، 70.
(4)
الفروع لا بن مفلح 2/ 313، الإنصاف للمرداوي 6/ 46.
(5)
مجموع الفتاوى 24/ 300، 315، الاختيارات للبعلي، ص:152. قال شيخ الإسلام: "استئجار النَّاس ليقرأوا ويهدوه إلى الميِّت ليس بمشروع، ولا استحبه أحد من العلماء". مجموع الفتاوى 24/ 300.
القول الثّاني:
يجوز الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم.
وهذا قول المتأخرين من المالكية (1) وهو المختار عند متأخري الشّافعيّة (2)، قال الدسوقي:"ذكر ابن فرحون (3) أن جواز الإجارة على قراءة القرآن مبني على وصول ثواب القرآن لمن قرئ لأجله كالميِّت، ثمّ استدل على أن الراجح وصول ذلك له"(4).
وقال النووي: "ظاهر كلام القاضي حسين (5) صحة الإجارة مطلقًا، وهو المختار، فإن موضع القراءة موضع بركة وبه تنزل الرّحمة، وهذا مقصود ينفع الميِّت"(6).
(1) حاشية البناني على الزرقاني 7/ 24، حاشية الدسوقي 4/ 22، المعيار المعرب للونشريسي 8/ 260، منح الجليل لعلّيش 7/ 499، جواهر الإكليل للآبي 2/ 189.
(2)
روضة الطالبين للنووي 5/ 191، أسنى المطالب للأنصاري 2/ 412، مغني المحتاج للشربيني 3/ 69.
(3)
هو إبراهيم بن علي بن محمّد بن فرحون اليعمري المدني أبو إسحاق برهان الدِّين الفقيه المالكي القاضي، أصله من المغرب، وولد في المدينة المنورة سنة 729 هـ، تولى القضاء بالمدينة، له مؤلفات كثيرة منها: تسهيل المهمات في شرح جامع الأمهات لابن الحاجب، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام وغيرها، توفي بالمدينة سنة 799 هـ
انظر: نيل الابتهاج للتنبكتي ص: 30، شجرة النور الزكية لمخلوف، ص:222.
(4)
حاشية الدسوقي 4/ 22.
(5)
هو: الحسين بن محمّد بن أحمد، أبو على، المروذي المسمى بـ: القاضي حسين، من أكبر تلامذة القفال، وأحد أئمة الشّافعيّة الكبار، فقيه خراسان، له مؤلفات جليلة، منها: التعليق الكبير، المشهور في المذهب، والفتاوى وغير ذلك، توفي سنة 462 هـ انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى للسبكي 4/ 356 - 365، طبقات الشّافعيّة للإسنوي 1/ 407.
(6)
روضة الطالبين للنووي 5/ 191.
تنبيه:
الّذي يظهر أن من قال بهذا القول قد بنى صحة الاستئجار على حصول المنفعة للميت بالقراءة، لا بسبب وصول الثّواب له.
أمّا عند متأخري الشّافعيّة فالأمر ظاهر فيما قاله النووي سابقًا، وأمّا عند المالكية فقد قال القرافي:"والذي يتجه أن يقال، ولا يقع فيه خلاف: أنّه يحصل لهم بركة القرآن لا ثوابها"(1).
ومما يؤيد ما سبق أن الشّافعيّة قد حصروا الحالات الّتي يصح فيها الاستئجار على التلاوة، وهي أربع حالات، أمّا مطلق القراءة أو القراءة المجردة، فإن ثوابها لا يصل للميت عندهم، ولا يصح الاستئجار عليها.
والحالات الأربع الّتي نصّ الشّافعيّة عليها هي:
الأولى: إذا كانت القراءة للميت عند قبره.
الثّانية: إذا أعقب القراءة بالدعاء للميت، أو نوى ثوابها له.
الثّالثة: إذا كانت القراءة بوجود المستأجر.
الرّابعة: إذا كانت القراءة مع ذكر المستأجر في القلب حالة القراءة (2).
وتوجيه هذه الحالات الأربع يأتي بيانه عند ذكر الأدلة لهذا القول إن شاء الله تعالى.
قال الإمام النووي رحمه الله: "ومعلوم أن الميِّت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة، فالوجه تنزيل الاستئجار على سورة انتفاع الميِّت بالقراءة، وذكروا له طريقتين:
أحدهما: أن يعقب القراءة بالدعاء للميت
…
(1) الفروق للقرافي 3/ 193.
(2)
أسنى المطالب للأنصاري 4/ 412، نهاية المحتاج للرملي 5/ 293، حاشية قليوبي 6/ 158، إعانة الطالبين للبكري 3/ 112.