الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثّالث أخذ المال على كتابة العلم الشرعي
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أخذ المال على نسخ كتب العلم وطباعتها
القول في هذه المسألة كالقول في مسألة أخذ الأجرة على كتابة المصحف وطباعته، فإن كثيرًا من العلماء لم يفرقوا بين المسألتين.
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز أخذ الأجرة على نسخ كتب العلم وطباعتها، وممن قال بذلك: الحنفية (1)، وهو المعتمد عند المتأخرين من المالكية (2)، وهو قول الشّافعيّة (3) والحنابلة (4) والظاهرية (5).
قال الإمام السرخسي: "ولو استأجر رجلًا يكتب له مصحفًا أو فقهًا معلومًا وإن جائزًا"(6).
وقال عليش (7): "
…
وعلى هذا فتجوز الإجارة على تعليمه وكتابته وهو أحسن، ولا أرى أن يختلف فيه اليوم لنقص فهم النَّاس وحفظهم عمن تقدّم" (8).
(1) المبسوط للسرخسي 16/ 42، حاشية ابن عابدين 5/ 56، 57.
(2)
حاشية الدسوقي 4/ 18، حاشية البناني على الزرقاني 7/ 20، منح الجليل لعلّيش 7/ 487.
(3)
حاشية قليوبي 3/ 74.
(4)
المغني لابن قدامة 8/ 38، كشاف القناع للبهوتي 4/ 10.
(5)
المحلى لابن حزم 8/ 193.
(6)
المبسوط للسرخسي 16/ 42.
(7)
هو: محمَّد بن أحمد بن محمَّد، أبو عبد الله، المعروف بالشيخ عليش الفقيه المالكي، أصله مغربي، ولد في القاهرة سنة 1217 هـ، وتعلم في الأزهر، ثمّ درس فيه، له مؤلفات كثيرة في الفقه المالكي من ذلك: فتح العلّي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، منح الجليل على مختصر خليل، حاشية على الشرح الصغير للدردير، وغير ذلك كثير، توفي بالقاهرة سنة 1299 هـ انظر: شجرة النور الزكية لمخلوف، ص: 385، الأعلام للزركلي 6/ 19.
(8)
منح الجليل لعلّيش 7/ 487.
وقال قليوبي (1): "يصح الاستئجار للنساخة يبين كيفية الخط ورقته وغلظه، وعدد الأوراق وسطور كلّ صفحة كذا"(2).
وقال ابن قدامة: "ويجوز استئجار ناسخ لينسخ له كتب فقه أو حديث أو شعر مباح أو سجلات، نصّ عليه
…
، ولا بد من التقدير بالمدة أو العمل" (3).
وقال ابن حزم: "والإجارة جائزة على تعليم القرآن
…
ونسخ كتب العلم" (4).
وأمّا المالكية فقد ذهبوا في المعتمد في المذهب إلى كراهة أخذ الأجرة على نسخ كتب العلم (5)، وقد بنوا هذا القول على القول بكراهة بيع كتب الفقه، فإذا كره بيع كتب الفقه كرهت كتابتها، كما يكره كذلك أخذ الأجرة على تعليم الفقه ونحوه، وقد تقدّم قولهم في ذلك وما ذكروه من أدلة وما ورد عليها من مناقشات.
والحق الذي لا ريب فيه أن ما ذهب إليه الجمهور هو الصواب وهو الأولى بالأخذ لما يأتي:
أوَّلًا: لما تقدّم من أدلة على جواز كتابة المصحف وطبعه (6).
ثانيًا: أن الكتابة عمل معلوم، وهو يتحقق من المسلم والكافر فلا يختص أن يكون فاعله من أهل القربة، فجاز أخذ الأجرة عليه (7).
(1) هو: أحمد بن أحمد بن سلامة، أبو العباس، شهاب الدِّين القليوبي المصري، فقيه شافعي متأدب، له مؤلفات كثيرة وحواشي، منها: تحفة الراغب، تذكرة القليوبي، فضائل مكّة والمدينة، وغيرها، توفي سنة 1069 هـ انظر: خلاصة الأثر للمحبي 1/ 175، الأعلام للزركلي 1/ 92.
(2)
حاشية قليوبي 3/ 74.
(3)
المغني لابن قدامة 8/ 38.
(4)
المحلى لابن حزم 8/ 193.
(5)
شرح الزرقاني على خليل 7/ 20، منح الجليل لعلّيش 7/ 487.
(6)
راجع ص 538.
(7)
المبسوط للسرخسي 16/ 42.
ثالثًا: إنَّ الاستئجار على كتابة العلم الشرعي أمر متعارف عليه من غير نكير، فدلّ على جوازه (1).
وأمّا ما ذهب إليه المالكية من القول بالكراهة، فقد ردّ ذلك المحققون من أهل المذهب (2)، وبينوا أنّه لا ينبغي أن يختلف في جواز ذلك خاصّة في هذا الزّمان وعللوا ذلك بما يأتي:
أوَّلًا: إنَّ حفظ النَّاس للعلّم قد نقص، وكذلك أفهامهم قد نقصت بخلاف ما كان عليه الصدر الأوّل من العلماء، وعليه فلا وجه للكراهة، بل القول بجواز ذلك هو الأولى والأحسن (3).
ثانيًا: أن القول بكراهة كتابة العلم وطباعته يؤدِّي إلى ضياع العلم وذهاب رسمه فلا يصح القول بالكراهة (4).
المسألة الثّانية: أخذ المال على التأليف (5) والتحقيق (6)
المراد بهذه المسألة هو أخذ المال على التأليف والتحقيق في مجال العلوم الشرعية
(1) المبسوط للسرخسي 16/ 42.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي 4/ 18، حاشية البناني على الزرقاني 7/ 20، منح الجليل للشيخ عليش 7/ 487.
(3)
حاشية البناني 7/ 20، منح الجليل لعلّيش 7/ 487.
(4)
حاشية الدسوقي 4/ 18، حاشية البناني على الزرقاني 7/ 20.
(5)
التأليف لغة: الجمع، والوصل، من ألّفت الشيء تأليفًا: إذا وصلت بعضه ببعض، ومنه تأليف الكتب، يقال: ألف الكتاب: إذا جمعه ووضعه، والمؤلَّف هو: الكتاب، يدون فيه علم أو فن أو أدب. انظر: لسان العرب لابن منظور 9/ 10، مادة:(أَلف)، المعجم الوسيط 1/ 24 مادة:(ألف).
(6)
التحقيق لغة: الإحكام والصّحيح، والإثبات، يقال: أحقّ الشيء: إذا أحكمه وصححه، وحقّق الشيءَ: أحكمه، ومنه كلام محقق: محكم الصنعة رصين.
انظر: لسان العرب لابن منظور 10/ 49، مادة:(حقق)، المعجم الوسيط 1/ 187. والمراد بالتحقيق: هو خدمة النص من حيث إخراجه مصححًا أقرب ما يكون إلى لفظ مؤلفه، مع إدخال علامات الترقيم، وتمييز مقاطع الكلام وتخريج النصوص، وتفسير الغريب والتعريف بالأعلام ووضع الفهارس ونحو ذلك ممّا هو متعارف عليه: تحقيق النصوص ونشرها لعبد السّلام هارون، ص: 42 وما بعدها.