الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمّد: 19].
وجه الاستدلال:
يمكن توجيه الاستدلال بهذه الآية الكريمة: بأنّها دلت على وصول ثواب الدُّعاء للمؤمنين والمؤمنات، والدعاء من العبادات البدنية، فدل ذلك على وصول ثواب العبادات البدنية للأموات، ومنها ثواب قراءة القرآن (1).
ب - أدلتهم من السُّنَّة:
الدّليل الَأول:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن حفصة بكت على عمر، فقال: مهلًا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الميِّت يعذب ببكاء أهله عليه)(2).
وجه الاستدلال:
أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله عز وجل يعذب الميِّت ببكاء أهله عليه، والله تعالى أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة (3).
مناقشة الاستدلال:
أوَّلًا: إنَّ هذا الحديث محمول على من وصّى بأن يُبكى عليه ويناح عليه بعد موته فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم؛ لأنّه بسببه ومنسوب
(1) وصول ثواب الدُّعاء والاستغفار للأموات أمر مجمع عليه، ويقاس عليها قراءة القرآن: شرح النووي على مسلم 1/ 90.
(2)
أخرجه البخاريّ، كتاب الجنائز، باب يعذب الميِّت ببعض بكاء أهله عليه 3/ 180 (1286 - 1290) وباب البكاء عند المريض 3/ 209 (1304)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الميِّت يعذب ببكاء أهله عليه 2/ 638 (927)
(3)
المغني لابن قدامة 3/ 522.
إليه، فأمَّا من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، وكان من عادة العرب الوصيَّة بذلك، فخرج الحديث مطلقا حملًا على ما كان معتادًا لهم (1).
ثانيًا: قالوا: إنَّ هذا الحديث أنكرته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عندما سمعته، ونسبت راوية إلى النِّسيان والغلط، وبينت أن هذا في حق غير المسلمين، فقد روت عمرة بنت عبد الرّحمن، أنّها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه يقول: إنَّ الميِّت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرّحمن، أمّا إنّه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنّما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها، فقال:(إنهم ليبكون عليها، وأنّها لتعذب في قبرها)(2).
وفي رواية قالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ الله يعذب المؤمّن ببكاء أحدٍ"، ولكن قال:"إنَّ الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه"، قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ".
ثالثًا: قالوا: إنَّ هذا الحديث محمول على من لم يوص بترك البكاء والنياحة، فأمّا من وصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه (3).
رابعًا: قالوا: إنّه محمول على من كانوا يندبون الميِّت وينوحون عليه، وذلك بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم، وهي في الحقيقة قبائح محرّمة في الشّرع يعذب الله عليها، ومن ذلك أنّهم كانوا يقولون: يا مؤيد النسوان ومؤتم الولدان، ومخرب العمران، ومغرق الأخدان، ونحو ذلك ممّا يرونه شجاعةً وفخرًا وهو محرم شرعًا (4).
(1) شرح النووي على مسلم 6/ 238، 239.
(2)
أخرجه مسلم، كلتاب الجنائز، باب الميِّت يعذب ببكاء أهله عليه 2/ 643 (932).
(3)
شرح النووي على مسلم 6/ 229.
(4)
المرجع السابق.