الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناقشة الاستدلال:
هذه الآثار على فرض صحتها لا حجة فيها؛ إذ إنها معارضة بآثار أخرى تدل على المنع وليس الأخذ بقول بعضهم أولى من الأخذ بقول البعض الآخر (1).
ثالثًا: أدلتهم من المعقول:
الدّليل الأوّل:
قالوا: إنَّ تعليم القرآن يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال، فجاز أخذ الأجرة عليه كبناء المساجد والقناطر (2).
مناقشة الاستدلال:
نوقش هذا الدّليل بأن الرزق بيت المال، إنّما يجوز على ما يتعدى نفعة للمسلمين؛ لأنّ بيت المال معد للمصالح، فإذا كان بذَلَه لمن يتعدى نفعه إلى المسلمين، وكان المسلمون بحاجة إليه كان ذلك من المصالح، وكان للآخذ له أخذه؛ لأنّه من أهله، وجرى مجرى الوقف على من يقوم بهذه المصالح، بخلاف الأجر (3).
الدّليل الثّاني:
أنّه لما كان الجلوس لتعليم القرآن غير واجب على الرَّجل ولا لازم له جاز له أخذ الأجرة عليه، وإن كان فيه قربة، أصل ذلك الاستئجار على بناء المساجد، وما أشبه ذلك (4).
ثالثًا: أدلة أصحاب القول الأوّل:
أصحاب هذا القول هم في الأصل من القائلين بالمنع من الاستئجار على تعليم القرآن، إلّا أنّهم أجازوا ذلك للضرورة والحاجة.
(1) المحلى لابن حزم 8/ 196.
(2)
المغني لابن قدامة 8/ 137، 138.
(3)
المغني لابن قدامة 8/ 139.
(4)
البيان والتحصيل لابن رشد 8/ 453.
أمّا أدلتهم على المنع فقد تقدمت عند ذكر أدلة أصحاب القول الثّالث.
وأمّا ما استدلوا به على الجواز للضرورة والحاجة فهو ما يأتي:
قالوا: إنَّ المتقدمين الّذي منعوا أخذ الأجرة على التعليم، إنّما بنوا رأيهم على ما شاهدوه من قلة الحفاظ لكتاب الله، ورغبة النَّاس فيهم، وكان لهم عطيات من بيت المال، تكفيهم أمر معاشهم، ولرغبة المعلمين في بذل تعليم القرآن حسبة لله تعالى، ومروءة المتعلمين في مجازة الإحسان بالإحسان، من غير شرط لأخذ الأجرة على التعليم.
ولهذا كان العلماء يفتون بوجوب التعليم خوفًا من ذهاب القرآن وتحريضًا على التعليم حتّى ينهضوا لإقامة الواجب فيكثر حفاظ القرآن.
وأمّا اليوم فقد ذهب ذلك كله، واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقلّ من يعلم حسبة ولا يتفرغون له أيضًا، فإن حاجتهم تمنعهم من ذلك، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر، لذهب القرآن، فأفتوا بجواز ذلك لذلك، ورأوه حسنًا (1).
وقالوا: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان (2)، وشأن المعلم الفقير في ذلك، شأن ولي اليتيم، يأكل مع الفَقْر ويستغني مع الغِنَى (3)، فإن الفقير إذا علّم حسبة لله، وإنّما أخذ الأجرة لحاجته لها وليستعين بها على طاعة الله، فإنّ الله تعالى يأجره
(1) تببين الحقائق للزيلعي 5/ 124، 125، العناية شرح الهداية للبابرتي 7/ 180، حاشية ابن عابدين 5/ 34، 35، رسائل ابن عابدين (رسالة نشر العرف) 2/ 123، قال ابن عابدين:(إفتاؤهم يجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلمين الّتي كانت في الصدر الأوّل، ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بالأجرة يلزمهم ضياعهم وضياع عيالهم ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم). اهـ
(2)
شرح القواعد الفقهية للزرقاء، ص / 173.
(3)
قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} سورة النِّساء: 6.