الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط السّادس:
أن يكون ما يرتزقه من الخصوم غير مؤثر عليهم، ولا مضر بهم، فإن أضر بهم أو أثر عليهم لم يجز.
الشرط السابع:
أن لا يستزيد على قدر حاجته، فإن زاد عليها لم يجز.
الشرط الثّامن:
أن يكون قدر المأخوذ مشهورًا يتساوى فيه جميع الخصوم، وإن تفاضلوا في المطالبات؛ لأنّه يأخذه على زمان النظر فلم تعتبر مقادير الحقوق، فإن فاضل بينهم فيه لم يجز، إِلَّا أن يتفاضلوا في الزّمان فيجوز.
ثمّ قال رحمه الله تعالى: "وفي مثل هذا مضرة تدخل على جميع المسلمين، ولئن جازت في الضرورات، فواجب على الإمام وكافة المسلمين أن تزال مع الإمكان، إمّا بأن يتطوع منهم بالقضاء من يكون من أهله، واما أن يقام لهذا بكفايته؛ لأنّه لا كانت ولاية القضاء من فروض الكفايات كان رزق القاضي بمثابة ولايته"(1).
الترجيح:
بعد ذكر الأقوال وعرض الأدلة لكل قول يتبين أن القول الراجح هو القول الأوّل القائل بجواز أخذ الرزق من الخصمين للضرورة بعد توفر الشروط الثمانية المذكورة.
ولكن الّذي يظهر أنّه لا تعارض بين هذه الأقوال وذلك لما يأتي:
(1) الحاوي الكبير للماوردي 20/ 365.
1 -
أنّه يمكن حمل قول من منع مطلقًا على غير المحتاج، قال زكريا الأنصاري (1)
الشّافعيّ: "واستشكل عدم جواز ذلك بأن الرافعي رجح في الكلام على الرشوة جوازه وأسقطه النوويّ ثمّ، ويجاب: بأن ما هناك في المحتاج وما هنا في غيره"(2).
2 -
وأمّا قول من جوز مطلقًا فإنهم قد عللوا ذلك بالحاجة والضرورة.
وبهذا تأتلف الأقوال في القول بجواز أخذ الرزق من الخصوم للحاجة والضرورة. وأمّا ما ذكر من شروط، فإنّه يلاحظ أن هذه الشروط عبارة عن ضوابط شرعية تحكم عمل القاضي، وتضبط مسألة أخذ الرزق من غير بيت المال، وكل ذلك حتّى لا يدب الشرّة في نفس القاضي إلى أموال النَّاس، فينفتح بذلك باب الرشوة في الحكم، وهذا فيه من الفساد ما فيه، والفقهاء لا يخالفون في ذلك بل هم أحرص النَّاس على نزاهة القاضي وإعفافه وضبط سلوكه، بما يضمن عدم الميل في الحكم.
وعليه فإن هذا القول يعد أعدل الأقوال وأولاها بالترجيح، لقوته وإحكامه وعدم مخالفة الأقوال الأخرى له في حقيقة الأمر. والله تعالى أعلم.
(1) هو: زكريا بن محمَّد بن أحمد بن زكريا، أبو يحيى الأنصاري، الفقيه الشّافعيّ الأصولي، ولد في قرية سنيكه بشرقية مصر سنة 833 هـ، ثمّ طلب العلم وبرع في شتى العلوم وبخاصة علمي الفقه والأصول، وله مصنفات كثيرة منها: فتح الرّحمن في التفسير، وغاية الوصول إلى علم الأصول، ولب الأصول، وأسنى المطالب شرح روضة الطالب وغيرها، توفي سنة 926 هـ بالقاهرة. انظر: البدر الطالع للشوكاني 1/ 252، شذرات الذهب لابن العماد 10/ 186.
(2)
أسنى المطالب لزكريا الأنصاري 4/ 296.