الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدّليل الثّاني:
قالوا: إنَّ الجهاد، دان كان فرضًا على الكفاية، فكل من باشره يكون مؤديًا فرضًا، والاستئجار على أداء الفرض باطل، كالاستئجار للصلاة (1).
الدّليل الثّالث:
قالوا: إنَّ الجهاد عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، فلا تصح الإجارة عليه، كالصلاة (2).
الدّليل الرّابع:
قالوا: إنَّ الجهاد حق لله تعالى، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه (3).
الترجيح:
بعد عرض أقوال الفقهاء في هذه المسألة، وذكر أدلتهم، وبيان ما ورد عليها من مناقشات، يتبين أن القول القاضي بالمنع من الاستئجار على الجهاد هو الراجح، ويعود هذا الترجيح إلى الأسباب التالية:
أوَّلًا: قوة القول القاضي بالمنع لقوة أدلته، حيث جاءت الأدلة الّتي عللوا بها متفقة مع أصول الشّرع، وقواعده العامة، ومن ذلك أن فروض الأعيان الّتي تطلب من كلّ فرد بعينه، لا يجوز لغيره فعلها عنه كما في صلاة الإنسان لنفسه، وحجه لنفسه، وصيامه لنفسه، ومن ذلك: الجهاد، فإن الأئمة متفقون على أنّه إذا حضر الصف تعين عليه، فكيف يسوغ له بعد ذلك أخذ العوض عليه.
ثانيًا: ضعف ما استدل به المجيزون، فإنّه أمكن مناقشة جمجع ما استدلوا به من أحاديث، وأدلة عقلية ممّا أضعف من دلالتها، وأخرجها عن حجيتها.
ثالثًا: أنّه لا حاجة بالمرء لأنّ ياخذ أجرًا على غزوه، وذلك لما يأتي:
(1) شرح السير الكبير للسرخسي: 3/ 862، 944، الكافي لابن عبد البر: 1/ 465، روضة الطالبين للنووي: 10/ 240.
(2)
كشاف القناع للبهوتي: 3/ 90.
(3)
تببين الحقائق للزيلعي: 3/ 242، البناية شرح الهداية للعيني: 6/ 495.
1 -
كثرة الموارد المالية للجند من زكاة، وعطاء، ونحو ذلك.
2 -
أن الله تعالى حث أهل الخير، وأصحاب الأموال على الإنفاق في سبيله، ووعد على ذلك الثّواب العظيم (1)، ممّا يوفر للغازي كلّ ما يحتاج إليه في خاصّة نفسه، ومن يعول، وما يحتاج إليه من عتاد، وسلاح بما لا يكون معه حاجة، أو ضرورة تدفعه إلى إجارة نفسه على عمل من أجل وأعظم القرب إلى الله تعالى.
(1) ومن ذلك قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]، قال مكحول: " يعني به الانفاق في الجهاد
…
": تفسير ابن كثير: 1/ 467، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا".أخرجه البخاريّ في الجهاد، باب فضل من جهز غازيًا: 6/ 58 (2843)، ومسلم في الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله: 3/ 1507 (1895)، من حديث قلد بن خالد الجهني رضي الله عنه.