الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثّالث أخذ المال على الصلح
(1)
لا تخفى أهمية الصلح وما له من مكانة في الشّريعة الإِسلامية، وقد تواردت النصوص من الكتاب والسُّنَّة على أهميته وفضله (2)، لما يترتب عليه من المصالح الخاصة والعامة، وذلك لما فيه من قطع المنازعة بين المتخاصمين، وإزالة العداوة والبغضاء من القلوب وإشاعة المحبة والخير بين كافة أفراد المجتمع.
قال البهوتي: "الصلح من أكبر العقود فائدة، لما فيه من قطع النزاع والشقاق، ولذلك أبيح فيه الكذب"(3).
(1) الصُّلح في اللُّغة: اسم بمعنى المصالحة والتصالح، والصُّلح: التوفيق، يقال: أصلحت بين القوم: وفقت بينهم، والصلح: السِّلم، والصلاح: ضد الفساد، قال الراغب الأصفهاني:"والصلح يختص بإزالة النفار بين النَّاس". مفردات القرآن للراغب ص: 489، لسان العرب لابن منظور 2/ 516 - 517.
واصطلاحًا: جاءت تريفات الفقهاء للصلح متقاربة في المعنى، ومن هذه التعريفات أنّه:
"عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة"، إذن: فالصلح معاقدة يرتفع بها النزاع بعد وقوعه ويتم به التوفيق بين المختلفين، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، إِلَّا أن المالكية يرون أنّه يرفع كذلك ما يخشى وقوعه، ولذلك زادوا قيدًا في تعريفاتهم وهو:"أو خوف وقوعه".
الدر المختار للحصفكي 4/ 472، مواهب الجليل للحطاب 5/ 79، نهاية المحتاج للرملي 4/ 371، كشاف القناع للبهوتي 3/ 390.
(2)
ومن هذه النصوص قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الحجرات، آية: 9، وقوله تعالى، {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النِّساء: 128]، وقوله تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النِّساء: 114].
وما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه قال: إنَّ أهل قباء اقتتلوا حتّى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اذهبوا بنا نصلح بينهم). أخرجه البخاريّ، كتاب الصلح، باب قول الإمام لأصحابه: اذهبوا بنا نصلح 5/ 354 (2693).
(3)
كشاف القناع للبهوتي 3/ 391.
وأمّا ما يتعلّق بأخذ المال على الصلح، فالمراد به هنا هو من يقوم بالإصلاح بين الخصوم، هل يجوز له أخذ مال على عمله أم لا؟.
يتوقف حكم هذه المسألة على صفة من يقوم بمباشرة الصلح فقد يكون المباشر للصلح هو الإمام الأعظم أو نائبه، وقد يكون القاضي، وقد يكون إنسانًا صالحًا متبرعًا بذلك، وقد يكون محكمًا يختارونه وبيان ذلك كما في المطالب الآتية: