الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثّاني أخذ الأجرة على الحسبة
المحتسب قد يكون منصويًا من جهة الإمام (1)، وقد يكون متطوعًا بعمله (2) فإذا كان المحتسب متطوعًا بعمله، وله كفاية، فإنّه في هذه الحالة ليس له أخذ عوض على عمله، لكفايته أوَّلًا ولكونه متبرعًا بعمله، فإن كان الله قد أغناه فلا حاجة تدعوه إلى أخذ العوض حتّى لا يكون عمله لغير الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مفرقًا بين الغني والمحتاج في حكم أخذ العوض على أفعال القرب، قال: "
…
بخلاف الغني لأنّه لا يحتاج إلى الكسب فلا حاجة تدعوه أن يعملها لغير الله، بل إذا كان الله تعالى قد أغناه وهذا فرض على الكفاية، كان هو مخاطبًا به، وإذا لم يقم إِلَّا به كان ذلك واجبًا عليه عينًا والله أعلم" (3).
وأمّا المحتسب المنصوب من قبل الإمام فإن كان له رزق من بيت المال، فهذا لا
(1) وفي هذه الحالة يسمى "المحتسب" أو "والي الحسبة": معالم القربة لابن الأخوة ص 11، تحفة الناظر وغنية الذاكر للتلمساني، ص:176.
(2)
وقد فرق العلماء بين المحتسب المنصوب من قبل الإمام والمتطوع بعدة فروق منها:
أوَّلًا: أن الحسبة تكون فرض عين على المنصوب من قبل الإمام بخلاف المتطوع فإنها تكون في حقه فرض كفاية، فإذا قام بها غيره سقطت عنه كما في صلاة الجنازة ورد السّلام ونحوهما.
ثانيًا: أن لا يجوز للمحتسب المنصوب أن يتشاغل عن الحسبة بغيرها؛ لأنّها وظيفته وعمله الرئيس، بخلاف المتطوع فله التشاغل عنها بغيرها من أموره الخاصة.
ثالثًا: أن المحتسب المنصوب له الارتزاق من بيت المال؛ لأنّه من عمال المسلمين محبوس لمصلحتهم فتكون كفايته في بيت المال كلالولاة والقضاة والمفتين والغزاة ونحوهم، بخلاف المتطوع فليس له ذلك.
الأحكام السلطانية للماوردي، ص: 240، الأحكام السلطانية لأبي يعلي ص: 268، معالم القربة لابن الأخوة ص: 11، نصاب الاحتساب للسنامي ص:322.
(3)
مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 30/ 207.
يجوز له أخذ العوض على الحسبة مطلقًا، وذلك لكفايته ولكون الحسبة في حقه فرض عين، ولا يجوز أخذ العوض على فرض العين كالقاضي والمفتي إذا تعين عليهما القضاء والإفتاء بجامع الولاية في كلّ من هذه المناصب (1).
فإذا لم يكن لوالي الحسبة رزق من بيت المال، لعدم وجود المال أو لتعذره لأي سبب كان، فهل يجوز في هذه الحالة للمحتسب أخذ الأجرة على عمله من عامة النَّاس أم لا (2)؟.
الّذي يظهر أن القول في هذه المسألة كالقول في مسألة المفتي، وقد تقدّم ذكر الأقوال والأدلة والراجح فيها وخلاصة ذلك:
أن المحتسب إذا لم، تكن له كفاية من بيت المال، فلأهل البلد أن يجعلوا له رزقًا من أموالهم؛ لأنّه يعمل لمصلحتهم فكانت كفايته في أموالهم.
فإن تعذر ذلك فله حينئذ أخذ الأجرة على عمل الحسبة للحاجة والضرورة (3)، فإن الفقير إذا قام بواجب الحسبة وإنّما أخذ الأجرة لحاجته إلى ذلك، وليستعين بذلك على طاعة الله، فالله بأجره على نيته، فيكون قد أكل طيبا وعمل صالحا (4)، والله تعالى أعلم.
(1) انظر لبيان وجه الإلحاق: المبسوط للسرخسي 3/ 18، الفروق للقرافي 3/ 4، روضة الطالبين للنووي 11/ 138 ، مغني المحتاج للشربيني 4/ 390، الأحكام السلطانية لأبي يعلي ص: 269، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 28/ 576.
(2)
لم أقف للأئمة على نصّ في هذه المسألة سوى الحنفية، قد نصوا على عدم جواز الاستئجار على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في المبسوط للسرخسي 11/ 17.
(3)
وهذا الّذي رجحه واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية فيما يتعلّق بأخذ الأجرة على القرب. وانظر: 30/ 206 - 207، 24/ 315 - 316.
(4)
انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 24/ 316.