الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثّاني أخذ المال على تعليم العلوم الشرعية
(1)
لا خلاف بين العلماء في أن تعليم العلوم الشرعية احتسابًا بدون أجرة جائز، بل هو من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أمّا تعليم القرآن والعلّم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى، وهذا ممّا يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ليس هذا ممّا يخفى على أحد ممّن نشأ بديار الإسلام.
والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأُمَّة بالقرآن والحديث والفقه، إنّما كانوا يعلمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلًا
…
وتعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك بغير أجرة لم يتنازع العلماء في أنّه عمل صالح فضلًا عن أن يكون جائزًا، بل هو من فروض الكفاية
…
" (2).
ولا خلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الرزق من بيت المال على تعليم العلوم الشرعية؛ لأنَّ ما يؤخذ من بيت المال ليس بعوض إنّما هو إحسان ومعروف وإعانة على الطّاعة (3)، ولدعاء الحاجة إلى القيام بذلك
(1) الكلام في هذه المسألة كالكلام في مسألة (أخذ المال على تعليم القرآن)، وكان بالإمكان جعلهما مسألة واحدة، إلّا أن بعض العلماء فرقوا في الحكم بين المسألتين كالمالكية، ولذا فقد جعلتها مسألة مستقلة.
(2)
مجموع الفتاوى لابن تيمية 30/ 204، 205، أضواء البيان للشنقيطي 3/ 18.
(3)
المبسوط للسرخسي 3/ 18، الاختيار لتعليل المختار للموصلّي 4/ 141، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/ 336، الفروق للقرافي 3/ 4، الشرح الصغير للدردير 2/ 295، حاشية قليوبي 4/ 296، المغني لابن قدامة 8/ 139، كشاف القناع للبهوتي 4/ 12، 6/ 291، مجموع الفتاوى لابن تيمية 30/ 206، الاختيارات الفقهية لابن تيمية ص: 153، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/ 347، قال الخطيب رحمه الله:"وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس الفقه والفتوى في الأحكام، ما يغنيه عن الاحتراف والتكسب، ويجعل ذلك في بيت مال المسلمين". أضواء البيان للشنقيطي 3/ 22.
والانقطاع له (1).
وأمّا أخذ الأجرة على تعليم العلوم الشرعية فقد اختلف الفقهاء في حكمه على أربعة أقوال:
القول الأوّل:
يجوز أخذ الأجرة على تعليم العلوم الشرعية، وذلك للحاجة والضرورة.
وبهذا قال متأخرو الحنفية وعليه الفتوى (2)، وهو وجه في المذهب عند الشّافعيّة (3)، وقول عند الحنابلة (4)، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (5).
القول الثّاني:
يكره أخذ الأجرة على تعليم العلوم الشرعية.
وبهذا قال المالكية في المعتمد عندهم (6).
القول الثّالث:
يجوز مطلقًا أخذ الأجرة على تعليم العلوم الشرعية.
وبهذا قال بعض المالكية (7)، وبه قال الشّافعيّة بشرط تعيين المتعلم وما يتعلمه من
(1) كشاف القناع للبهوتي 6/ 291.
(2)
المبسوط للسرخسي 16/ 37، تببين الحقائق للزيلعي 5/ 125، مجموعة رسائل ابن عابدين 1/ 161.
(3)
تكملة المجموع للمطيعي 15/ 30.
(4)
الفروع لابن مفلح 4/ 435، الإنصاف للمرداوي 6/ 46، مجموع الفتاوى لابن تيمية 23/ 367.
(5)
مجموع الفتاوى لابن تيمية 30/ 205 - 207.
(6)
المدوّنة للإمام مالك 4/ 419، التاج والإكليل للمواق 5/ 418، مواهب الجليل للحطاب 5/ 418، حاشية الدسوقي 4/ 18، المعيار المعرب للونشريسي 8/ 236.
(7)
التاج والإكليل للمواق 5/ 418، حاشية الدسوقي 4/ 18، منح الجليل لعلّيش 7/ 487.
مسائل مضبوطة يعلمها له (1)، وهو قول عند الحنابلة (2)، قال المرداوي:"وهو الصحيح"(3)، وبه قال الظاهرية (4).
القول الرّابع:
لا يجوز مطلقًا أخذ الأجرة على تعليم العلوم الشرعية.
وبهذا قال متقدمو الحنفية (5)، وهو المشهور من المذهب عند الحنابلة (6).
قال الحجاوي (7): "ويحرم ولا تصح إجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة وهو المسلم، ولا يقع إِلَّا قربة لفاعله كالحج
…
وتعليم قرآن وفقه وحديث، وكذا القضاء، قاله ابن حمدان (8) " (9).
(1) روضة الطالبين للنووي 5/ 188، مغني المحتاج للشربيني 2/ 344، نهاية المحتاج للرملي 5/ 193.
(2)
الفروع لابن مفلح 4/ 435، الإنصاف للمرداوي 6/ 47.
(3)
تصحيح الفروع 4/ 435. وقال في الإنصاف 6/ 47: "وهو المذهب على المصطلح".
(4)
المحلى لابن حزم 8/ 193.
(5)
المبسوط للسرخسي 16/ 37، بدائع الصنائع للكاساني 4/ 191، الهداية للمرغيناني مع شرحها فتح القدير لابن الهمام 7/ 179، مجموعة رسائل ابن عابدين 1/ 154.
(6)
الإنصاف للمرداوي 6/ 46، تصحيح الفروع للمرداوي 4/ 435، كشاف القناع للبهوتى 4/ 12.
(7)
هو: شرف الدِّين موسى بن أحمد بن موسى بن سالم الحجاوي المقدسي مفتي الحنابلة بدمشق من مؤلفاته: الإقناع لطالب الانتفاع في الفقه، شرح المفردات، زاد المستنقع وغيرها، توفي سنة: 968 هـ. انظر: النعت الأكمل للعامري ص: 124، مختصر طبقات الحنابلة لابن شطي ص:93.
(8)
هو: أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان، أبو عبد الله ابن أبي الثّناء، النميري الحراني، الفقيه الحنبلي الأصولي القاضي، نجم الدِّين، ولد سنة 603 هـ بحران، برع في شتى العلوم، وله تصانيف كثيرة منها: مختصر المغني، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، والوافي وغيرها، توفي سنة 695 هـ. انظر: المنهج الأحمد للعلّيمي 4/ 345، المقصد الأرشد لابن مفلح 1/ 439.
(9)
الإقناع للحجاوي 2/ 301.