الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية عند أحمد، قال صلى الله عليه وسلم:"ألا إني أوتيتُ القرآن ومثله معه، ألا إني أُوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجلٌ ينثني شبعاناً [كذا بالأصل] على أريكته، يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرّموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهليّ، ولا كلُّ ذي نابٍ من السباع، ألا ولا لُقَطة من مال مُعَاهَد، إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يَقْرُوهم، فإن لم يَقْروهم فلهم أن يعقبوهم بمثل قراهم"(1).
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإني أُوتيت القرآن ومثله معه" أي أوتيت القرآن وأوتيت مثله من السنة التي لم ينطق بها القرآن. وكمثال على ذلك نذكر أن الله آتى نبيه، تحريم الخبائث، فُصِّل بعضها في القرآن، كالميتة والدم ولحم الخنزير وبعضها بالسنة، كما ذكر في هذا الحديث، كلحوم الحمر الأهلية ولحوم السباع.
وقال: "العلم ثلاثة. وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنّة قائمة، أو فريضة عادلة"(2).
لا يقال: أن هذا الاحتجاج للسنة بالسنة، فكيف يحتج بها قبل أن يثبت أنها حجة؟
لأن المراد أنه لما ثبت إخباره في هذه الأحاديث وأمثالها بكون سنته حقاً، ومثل القرآن في لزوم اتّباعها، فإما أن يكون خبره هذا كذباً، وهو مستحيل، لدلالة المعجزة على صدقه، ولما ثبت من عصمته عن الكذب في أمر الدين. فلا يبقى إلاّ أن قوله هذا حقّ. وهو المطلوب.
3 - دلالة الإجماع:
إن المتتبع لتصرفات الصحابة رضي الله عنهم في تعرّفهم لأحكام الدين لأجل العمل به، يجد أنهم إذا وجدوا السنة عملوا بها، وجعلوها حجة في الدين، ولم يستجيزوا مخالفتها وإغفالها واطّراحها.
(1) المسند 4/ 131
(2)
رواه أبو داود (عون المعبود 8/ 92) وابن ماجه.
نجد ذلك في تصرفات أبي بكر مثلاً:
فعنه أنه قال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسَكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم} (1) وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه".
وطلبت فاطمة والعباس من أبي بكر رضي الله عنهم ميراثهما من النبي صلى الله عليه وسلم، فمنعهما أن يعطيهما شيئاً، وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث. ما تركنا صدقة"(2).
وأمر أبو بكر عُمّاله على الصدقة أن يعملوا بما سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا نص مطلع كتابه: عن أنس بن مالك أن أبا بكر كتب لهم: "إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوق ذلك فلا يعط"(3) ثم بين المقادير.
وعمر رضي الله عنه لما جادل أبا بكر في قتال مانعي الزكاة، قال:"كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها. وحسابهم على الله". فقال أبو بكر: "والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة. فإن الزكاة حق المال"(4).
وكان عمر يَقْصُر في السفر الآمن، ويقول:"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقة تصدّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته"(5).
(1) سورة المائدة: آية 105
(2)
مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر 1/ 158 وقال: إسناده صحيح.
(3)
رواه أحمد (1/ 183) وأبو داود والنسائي والدارقطني، ورواه البخاري مفرقاً في مواضع من صحيحه (أحمد محمد شاكر في تحقيق المسند).
(4)
الحديث إسناده صحيح. رواه أحمد في المسند. تحقيق أحمد شاكر 1/ 207
(5)
رواه مسلم 5/ 196 وأبو داود والترمذي.