الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتنقسم أيضاً من هذا الوجه قسمين، لأنها إما دائمة كما تقدم، وإما موقوتة بوقت محدود، كما أحِلّت له مكة "ساعة من نهار"(1).
ثالثاً: وتنقسم بحسب ما فيه الاختصاص إلى:
1 -
ما ليس بحكم شرعي، وأمثلته ما كان في خلقته صلى الله عليه وسلم، كخاتم النبوة بين كتفيه، وتأييده بالمعجزات، والوحي، والنصر بالرعب مسيرة شهر.
2 -
وما هو حكم شرعي.
وهذا القسم نوعان:
لأنه إما حكم شرعي لفعل غيره بسببه كرامة له، كتحريم نسائه على غيره، وما نسخ من وجوب الصدقة على المؤمنين عند مناجاته، ووجوب احتجاب نسائه (2)، وتحريم أخذ الزكاة على آل بيته، وأنه لا يورث، وأن الكذب عليه عمداً كبيرة، وتحريم رفع الصوت فوق صوته.
وإما حكم شرعي لفعله هو صلى الله عليه وسلم كوجوب قيام الليل، وتحريم الصدقة عليه، وإباحة نكاح ما زاد على أربع نسوة، وتحريم نكاح من لم تهاجر معه.
الحكمة في تخصيصه صلى الله عليه وسلم بما خصّه الله تعالى به:
لم نجد أحداً ممن اطلعنا على تآليفهم فصل: هذا الموضوع بالبحث، والذي يظهر عند التأمل في المناسبة، أنه صلى الله عليه وسلم لما كان يشارك أمته في البشرية، ويخالفهم في الرسالة، فإن منشأ الاختصاص بما خصّه تعالى به من الخصائص، راجع إلى الرسالة دون غيرها من الأوصاف المشتركة بينه وبين سائر الناس.
(1) رواه البخاري (فتح الباري ط الحلبي 1/ 216) وأبو داود والنسائي.
(2)
أكثر العلماء على أن بدن المرأة كله عورة ما عدا الوجه والكفين. فعلى هذا يكون وجوب تغطية نساء النبي الوجوه والأكف من الخصائص، وهو الذي اعتمدناه أعلاه. وفي رواية عند أحمد: يجب تغطية الوجه والكفين على كل امرأة، فعلى هذا ليس في المسألة اختصاص. انظر:(بداية المجتهد ط الحلبي 1/ 115. تفسير القرطبي 12/ 227)
أما ما يختصّ به صلى الله عليه وسلم عن سائر النبين، فمنشؤه كون رسالته أهم، لأنها أعمّ بالنظر إلى المدعوين، إذ كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الثقلين الإنس والجنّ. وبالنظر إلى الزمان، إذ رسالته صلى الله عليه وسلم هي الخاتمة، فوقتها مستمر إلى قيام الساعة.
فالخصائص إذن ناشئة من طبيعة الرسالة، ودائرة حولها، لتتم حكمة الله بأداء الرسالة على أفضل حال.
والوجوه التي عليها تخدم الخصائص الرسالة يظهر لنا أنها كما يلي:
الأول: الإعداد للرسالة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كأخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا به (1) ليأخذوا هم الميثاق على أقوامهم، ويكون ذلك داعياً للأمم إلى قبول رسالته صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا أيضاً ما حصل قبل المبعث من الإرهاصات بنبوته، والبشائر التي وقعت عند بعثته.
الثاني: توثيق رسالته، ومن ذلك ما خصّه الله تعالى به من المعجزات، والعصمة من المعاصي، وخاتم النبوّة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، ومنعه من الكتابة وقول الشعر.
ومن ذلك ما أخبر به من المغيبات التي تقع بعد وفاته، لتبقى دلائل التصديق والثقة مستمرة بعده، بتجدد تحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك أيضاً في أحكام أفعاله: تحريم الصدقة عليه، لئلا يظن به أنه أتى بما أتى به لتحصيل مال. وتُمِّم بالحكم بأنه لا يورث، حتى تقطع الأمة بأنه لم يحصِّل برسالته منهم لآله مالاً {إن هو إلاّ ذكرى للعالمين} (2).
(1) انظر سورة آل عمران: آية 81
(2)
سورة الأنعام: آية 90
ومن ذلك أيضاً ما أشار إليه في الحديث: "إن كذباً عليّ ليس ككذبٍ على أحد، فمن كذب عليّ متعمداً فليلج النار"(1).
الثالث: تهيئته لأداء الرسالة، وإعداده لتحمّل أعبائها، ومن ذلك ما أوجب الله عليه من قيام الليل، ليتمّ له تدبّر الوحي الإلهي وتعلّمه وتفهّمه في أنسب الأوقات لذلك، قال الله تعالى:{قم الليل إلاّ قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلاً * إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} (2). هذه الآيات له ولغيره من أمته، ثم نسخ الوجوب في حق غيره وبقي في حقه هو، كما بُيِّنَ ذلك في حديث عائشة.
ومن ذلك الإسراء به، قال تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} (3).
الرابع: ما اختصّه الله به كعون له على أداء الرسالة. من ذلك عصمته من الناس، وإظهار الآيات على يديه، كتكثير الطعام ونبع الماء.
ومن ذلك إباحة نكاح ما زاد على أربع نسوة، ليقمن بمعاونته على الأداء، باطلاعهن على ما خفي من شؤونه وإبلاغها للأمّة، وليكون إصهاره إلى قبائل العرب تأليفاً لهم وتسهيلاً لدخولهم في الإسلام، كما حصل في زواجه صلى الله عليه وسلم من جويرية بنت الحارث، من بني المصطلق، فقد كان ذلك سبباً لإسلام قومها. ومن ذلك إباحة القتال له بمكة، ونصره بالرعب مسيرة شهر.
ومن ذلك أيضاً تحريم نكاح من لم تهاجر معه، فإن ذلك يحصل به عملياً تأكيدٌ قوي لفضل الهجرة، ويكون حثّاً غير مباشر، ولكنه ذو مفعول قوي، على استجابة المسلمين الذين لم يهاجروا.
الخامس: إدامة الرسالة من بعده صلى الله عليه وسلم، كحفظ الكتاب الذي جاء به من التبديل، وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق.
(1) متفق عليه من حديث المغيرة (الفتح الكبير).
(2)
سورة المزمل: آية 2 - 5
(3)
أول سورة الإسراء.