الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعارض بين الفعل وغيره من الأدلة، فتخلّص بعض العلماء بدعوى الخصوصية في الفعل.
والمعتمد أن الأصل في الفعل عدم الخصوصية، وأنه لا تجوز دعوى الخصوصية بغير دليل، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله. وكذلك لو كانت الدلالة ضعيفة وأمكن التخلّص منها.
وسبب ذلك أن الخصوصية خلاف الأصل، لأنه صلى الله عليه وسلم مبعوث قدوة وداعياً بفعله وقوله كما تقدم. فأفعاله هي للاقتداء، والخصوصية تمنع الاقتداء.
وفي المثال الذي أشرنا إليه قال اين حجر: "استنكر الخطَّابي ومن تبعه وضع الناس الجريد على القبر عملاً يهذا الحديث. قال الطرطوشي: لأن ذلك خاص ببركة يده صلى الله عليه وسلم. وقال عياض: لأنه علّل غرزهما على القبر بأمر مغيّب، وهو قوله: إنهما ليعذبان. يقول ابن حجر: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا، أن لا نتسبّب له في أمر يخفّف عنه العذاب لو كان يعذب. وقد تأسَّى بريدة بن الحصيب الأسلمي الصحابي بذلك، فأوصى أن يوضع عند قبره جريدتان. ذكر ذلك البخاري في باب الجنائز تعليقاً. قال ابن حجر: وهو أولى من غيره أن يتبع"(1) اهـ.
وكلام ابن حجر راجع إلى القاعدة التي ذكرنا.
أدلة الخصوصية:
يعلم أن حكم الفعل من خصائصه صلى الله عليه وسلم بأمور:
الأول: أن يرد في القرآن النص على الخصوص والمنع من الاشتراك، كقوله تعالى:{وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم} (2)
(1) فتح الباري 1/ 319
(2)
سورة الأحزاب: آية 50
وقد يكون في النص الدالّ على الخصوصية خفاء فيقع فيه الخلاف. ومن ذلك قوله تعالى في صلاة الخوف: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة
…
} (1) الآيات، يقول القرطبي: "هذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة. هذا قول كافة العلماء. وشدّ أبو يوسف، وإسماعيل بن علية، فقالا: لا تصلّى صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الخطاب كان خاصّاً له بقوله:{وإذا كنت فيهم} وإذا لم يكن فيهم لم يكن لهم ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في ذلك، وليس أحد بعده يقوم مقامه
…
فلذلك يصلي الإمام بفريق، ويأمر من يصلي بالفريق الآخر، وأما أن يصلوا بإمام واحد فلا" (2). اهـ.
ثم ذكر أن الجمهور يرون اتباعه صلى الله عليه وسلم مطلقاً حتى يدل دليل واضح على الخصوص، ولئلا تكون الشريعة قاصرة على من خوطب. وقد عمل الصحابة بصلاة الخوف بعده صلى الله عليه وسلم.
ثم إن خاطب الله تعالى نبيه بالحكم بضمير المفرد، أو بقوله يا أيها النبي، لم يدل ذلك على الاختصاص، لأنه صلى الله عليه وسلم قائد أمته في طريقها إلى الله، والأمر للقائد أمر لأتباعه. ومن رفض المشاركة في الحكم هنا بمقتضى اللفظ لا يمنع القياس. ومثاله قوله تعالى:{لا تمدّنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم} (3) وقوله: {وشاورهم في الأمر} (4).
وسيأتي لهذا البحث زيادة بيان في مبحث قول المساواة من فصل الفعل المجرّد.
الثاني: أن يقول صلى الله عليه وسلم ذلك. كنهيه لهم عن الوصال لما واصل، وقال:"إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني،. وقال في دخول مكة مقاتلاً: "إن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم".
(1) سورة النساء: آية 102
(2)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 364 - 366
(3)
سورة الحجر: آية 88
(4)
سورة آل عمران: آية 159
أمّا لو ورد الإخبار من النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفعل كذا أو لا يفعل كذا، فلا يدل على الاختصاص، كقوله صلى الله عليه وسلم:"لا آكل متكئاً".
الثالث: أن يعلم ذلك بالضرورة، كما إذا فعل فعلاً، ثم نهاهم عنه في وقت قريب (1). وكما إذا أمرهم بأمر، ثم ترك في الحال ما نهاهم عنه، أو نهاههم عن شيء وفعله في الحال، فيعلم أن حكم تركه أو فعله خاص به صلى الله عليه وسلم (2).
وكل هذا على طريقة المعتزلة، لأنهم لا يجيزون النسخ قبل التمكّن من الامتثال. أما عند غيرهم فيجوز النسخ قبل التمكن، فلا يكون هذا النوع دليل الخصوصية.
أما إن نهاهم عن الشيء وهو متلبِّس به، فينبغي أن يكون ذلك دليل الاختصاص عند المعتزلة وغيرهم، كما نهاهم عن الوصال وهو مواصل، ونهاهم عن نكاح أكثر من أربع وهو مقيم على ذلك.
وعلى قول المعتزلة، إن تأخّر الترك أو الفعل طرأ احتمالٌ بأن الحكم الأول قد نُسخ، فلا تتحقق الضرورة.
ومثاله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يصلوا قياماً والإمام جالس، وصلّى بهم في مرض موته وهم قائمون وهو جالس.
فقيل: ذلك من خصائصه (3).
وهو مردود، لما تقدم.
ثم قد قيل: إنه فعله ليبين الجواز، فبيّن بفعله أن النهي السابق إنما هو للكراهة. وهو مذهب الحنابلة.
وقيل إن النهي منسوخ (4).
(1) أبو الحسن البصري، المعتمد 1/ 390
(2)
نفس المصدر 1/ 387
(3)
ابن قدامة: المغني 2/ 220 - 222
(4)
السيوطي: الخصائص الكبرى 3/ 284