الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يصلح الفعل وحده بياناً دون انضمام قول يدل على أنه بيان:
يتبيّن مما تقدم أن الفعل يمكن أن يقع بياناً، بقرينة تدل على أنه بيان لكذا وكذا من الأقوال القرآنية أو النبويّة.
ثم قد تكون تلك القرينة قولاً، كما في الحديث:"صلوا كما رأيتموني أصلي" و"خذوا مناسككم" وقد تكون غير ذلك (1).
كيفية بيان كل من الأحكام الخمسة بالأفعال:
تقدم لنا أن البيان بالفعل قد ينفرد عن القول. وقد يرد مع القول فيؤيده ويقويه، ويقطع عنه احتمالات شتى، ويدخل معنا هنا البيان الابتدائي بالفعل فيصدق عليه ما يصدق على بيان المجمل.
والمراد هنا أن نوضح الطرق التي بها يكون الفعل بياناً للأحكام الواردة في الكتاب والسنة، بترتيب أحكامها. وقد اعتنى بذلك الشاطبي (2). ونحن نذكر بإيجاز، مع العلم انها قواعد غالبية، ويكفي عنها البيان بالقول أحياناً.
1 -
الواجب: بيانه بالفعل. مع المداومة عليه وعدم الترك، ولا يتسامح في الترك مطلقاً.
2 -
المحرّم: بيانه بالترك المطلق، ولا يتسامح في فعله ألبتة، سواء أكان كبيراً أو صغيراً، وسيأتي ذلك في مبحث العصمة النبويّة، في فصل لاحقٍ إن شاء الله.
3 -
المندوب: ينقسم قسمين، بحسب حال المبيّن له:
أ- فإن كان جاهلًا بأصل الحكم، فالبيان له بالفعل ليقتدي به.
ب- وإن كان المبين له مظنة أن يعتقد أن ذلك المندوب واجب، كما إذا حافظ عليه والتزمه التزام الواجبات، أو خيف عليه أن يعتقد ذلك، وجب أن
(1) وسيأتي استيفاء القول في ذلك في مبحث الفعل البياني من الفصل الرابع إن شاء الله.
(2)
الموافقات 3/ 318 - 336
يفرّق له بينهما بترك التزامه من قبل المبيِّن. وفي حديث عائشة: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به مخافة أن يعمل به الناس فيفرض عليهم"(1)، "وكان يحب ما خفّ على الناس"(2).
وقصة إفطاره صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بمرأى من الناس تصلح شاهداً لهذا الأصل.
وقام في رمضان ليلتين أو ثلاثاً، فقاموا خلفه حتى كثروا، فتركه بعد ذلك، حمله الخطابي (3) على معنى الترك بياناً لئلا يظن وجوبه.
4 -
المكروه: بيانه ينقسم قسمين بحسب حال المبين له، كما تقدم في المندوب.
أ- فإن كان المبيّن له جاهلًا بأصل الحكم، فالبيان له يكون بالامتناع من الفعل، وإظهار كراهته، لتعلم. والترك في المكروهات هو الأصل في حق النبي صلى الله عليه وسلم لمقتضى العصمة، كما سيأتي في مبحث الفعل البياني.
ب- وإن كان المكروه مظنّة اعتقاد لزوم الترك، كمن اعتقد المكروه محرماً أو خيف عليه أن يعتقد ذلك، فإن بيانه يكون بفعل المكروه. وسيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يفعل المكروه بياناً لعدم تحريمه. وهذا الغرض هو المقصود هنا. وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أناساً كرهوا (4) أن يستقبلوا بفروجهم القبلة قال:"أوَ قد فعلوها؟ حوِّلوا مقعدتي إلى القبلة"(5).
5 -
المباح: بيان إباحته بفعله أحياناً وتركه أحياناً. ويتأكد الفعل إذا كان المباح مظنّة اعتقاد التحريم أو الكراهة، ويتأكد الترك إن كان مظنّة اعتقاد الوجوب أو الندب. وقد قال ابن مسعود: "لا يجعلنّ أحدكم للشيطان من نفسه جزءاً، لا
(1) رواه البخاري 3/ 10
(2)
رواه مالك في الموطأ من حديث عائشة (فتح الباري 10/ 525).
(3)
فتح الباري 3/ 10
(4)
الكراهة هنا بمعنى التحريم.
(5)
رواه أحمد وابن ماجه، وقال النووي: إسناده حسن. وقال الذهبي حديث منكر (نيل الأوطار 1/ 95، 96).