الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" (1).
هذا وأما نقل الأفعال، فقد يظن لأول وهلة أنه لا يتصور فيه النقل (الحرفي)، ولكن يبدو لنا أن نقل الفعل بالفعل المشابه له في الصورة هو نظير لنقل اللفظ باللفظ. وأما نقل الفعل بالقول، فإنه نظير لنقل اللفظ بمعناه. بل هو من النقل بالمعنى بلا شك، إذ ليس هناك لفظ حتى ينقل بحروفه. ومن أجل ذلك يرد في نقله باللفظ كثير من مخاطر الرواية بالمعنى. وهو ما سنحاول أن نشير إلى بعضه في ما يأتي من هذا المبحث.
وليس يلزم مما ذكرنا من التنظير، أن يكون نقل الفعل بالفعل أعلى من نقله بالقول، فإن من طبيعة النقل بالفعل أن يحصل فيه اشتباه يسقطه عن درجة رواية اللفظ باللفظ، بل عن رواية الفعل باللفظ. ولنعتبر ذلك بالواقع في التمثيليات المسرحية التاريخية، كيف يتولّد عند مشاهديها أوهام كثيرة في تصور الوقائع، ولولا مراجعتنا للتصوير اللفظي للواقعة في الوثائق التاريخية، لحصلت لدينا بالتمثيلية صورة تبعد قليلاً أو كثيراً عن حقيقة الواقعة.
أولاً: نقل الفعل بالفعل:
وذلك ما نقل إلينا عبد الله بن زيد وعثمان وعلي وأبو هريرة وابن عباس وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، بأفعالهم (2) ثم يحتاج التابعي إلى الألفاظ لكي يعبّر عما يراه. وقد يكون بعض أجزاء فعل الصحابي مما لم يقصد به الحكاية، بل يكون قد صدر ابتداء. فيتوهّم التابعي أن المقصود به الحكاية.
ومثاله حديث أبي هريرة في حكايته لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه غسل يديه حتى أشرع في العضدين، وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين. وقال في آخر
(1) رواه أبو داود 10/ 94 والترمذي 7/ 417 وأحمد بألفاظ متغايرة.
(2)
انظر: ذلك في كتب السنة في نيل الأوطار مثلاً 1/ 163 - 180
حديثه: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. يحتمل أن إشراعه في العضدين والساقين مما فعله هو ابتداء، وتكون إشارته (بهكذا) إلى ما عدا ذلك. فلا يكون حجة على استحباب الإشراع في الأعضاء المذكورة.
ويحتمل أنه مما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فيكون حجة.
ومثاله أيضاً: حديث المعتمر بن سليمان أنه كان يجهر بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} قال بعد صلاته: "ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي. وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس. وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1). فهذا في النقل بالفعل. وقد صحّ عن أنس قول: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون {بسم الله الرحمن الرحيم} في أول قراءة ولا في آخرها"(2).
وحيث تعارضت الرواية الفعلية عن الصحابي، مع الرواية القولية، يقدم القول لأنه نص، والفعل محتمل كما بيّنّا.
ومن قبيل نقل الفعل بالفعل أن يرى الصحابي رجلاً يفعل فعلاً، فيقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مثله. ومنه أن عمران بن حصين صلى خلف علي بن أبي طالب، فكان إذا سجد كبّر، وإذارفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبّر، فقال عمران:"ذكّرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم"(3).
ومن نقل الرواة أفعاله صلى الله عليه وسلم بالفعل واحداً بعد الآخر، ما يبني عليه مالك بعض مذهبه من العمل المستمرّ بالمدينة بعد نبيها، صلى الله عليه وسلم. ومنه كما قال ابن القيم: "نقلهم الوقوف، والمزارعة، والأذان على المكان المرتفع، والأذان للصبح قبل الفجر، وتثنية الأذان وإفراد الإقامة، والخطبة بالقرآن والسنن، دون الخطبة
(1) ذكر الحاكم أن رواته عن آخرهم ثقات (ابن دقيق: شرح العمدة 1/ 249).
(2)
رواية مسلم. وبمعناها رواية البخاري والموطأ والنسائي وأبي داود (جامع الأصول 6/ 222).
(3)
حديث علي: متفق عليه.