الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويدل للنوع الثاني قول خالد بن زهير:
ولا تَعْجَبَنّ من سيرةٍ أنتَ سرتَها (1)
…
فأول راضٍ سُنّةً مَنْ يسيرها
بل ورد هذا الاستعمال في السنة، كما في حديث الصحيحين، أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". وقال صلى الله عليه وسلم: "لتتبعُنّ سُنن الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه"(2).
وبهذا يتبيّن ضعف قول الخطابي: "إن "السنة" في اللغة للطريقة المحمودة خاصة"(3).
"
السنة" في الاصطلاح:
السنة في اصطلاح الأصوليين ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن من الأقوال والأفعال.
وهي في اصطلاح المحدّثين لمعنى أوسع من ذلك، إذ هي عندهم:"ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من قول، أو فعل، أو صفة خَلْقيّة، أو خُلُقيّة، وما يتصل بالرسالة من أحواله الشريفة قبل البعثة ونحو ذلك"(4). وإنما جعلوها كذلك لأنهم أهل العناية برواية الأخبار.
وتطلق السنة على ما يقابل البدعة. وبذلك تصدق على كل الشريعة، من قرآن، وحديث ثابت، واجتهاد صحيح. ومن هنا استعمل الاصطلاح المشهور
(1) هذه رواية ابن قتيبة في (عيون الأخبار) 4/ 108 ولكن في (الشعر والشعراء): و (الأغاني. ط بولاق 6/ 62 - 63): فلا تجزعن من سنة أنت سرتها. وللبيت قصة، فلتراجع في هذه المواضع.
(2)
متفق عليه (الفتح الكبير).
(3)
إرشاد الفحول ص 33
(4)
محمد محمد أبو زهو: الحديث والمحدثون / 10
"أهل السنة" تمييزاً لهم عن المبتدعة في الأعمال أو الاعتقادات، كالمعتزلة، والشيعة، والخوارج. ولهذا الاستعمال أصل في الحديث النبوي، قال صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. تَمَسّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"(1). فقابل السنن بالبدع.
وفي الصدر الأول كانت السنّة تطلق على طريقة الخلفاء الراشدين، بالإضافة إلى طريقة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روي ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم (سنة الخلفاء الراشدين) كما في الحديث الآنف الذكر. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"جلَد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكلٌّ سنة"(2). إلا أنه لما أخذ الفقهاء فيما بعد بالمبدأ القائل بأنه لا حجّة في قول أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قُصِرت دلالة لفظ "السنة" على أقوالِ وأفعالِ النبي صلى الله عليه وسلم وحده. قال ابن فارس:"كره العلماء قول من قال: سنة أبي بكر وعمر، وإنما يقال سنة الله وسنة رسوله"(3).
أما في اصطلاح الفقهاء فالسنة بمعنى النافلة والمندوب، أي ما يتقرب به إلى الله تعالى مما ليس بمتحتم على المسلم.
وبعضهم جعله لنوع خاص من القربة هي ما داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التعبدات، كالوتر والرواتب وصوم الاثنين والخميس، دون ما لم يداوم عليه، كالنوافل المطلقة. واستعمل الفقهاء "السنة" في باب الطلاق خاصة للدلالة على الجواز الشرعي، فقالوا: طلاق السنة، وقابلوه بقولهم: طلاق البدعة، وهو غير المشروع، كالطلاق في الحيض، وطلاق الثلاث دفعة واحدة.
هذا ويلاحظ على تعريف الأصوليين للسنة، أنه يدخل فيه ما لم يكن من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله حجة، كأفعاله وأقواله في شؤون الدنيا الصرفة، لقوله:
(1) رواه أبو داود 12/ 360 وحسنه الترمذي. ورواه الترمذي وابن ماجه (الفتح الكبير).
(2)
رواه مسلم (نيل الأوطار 7/ 147).
(3)
إرشاد الفحول ص 6
"أنتم أعلم بأمر دنياكم"(1). والأولى إخراج مثل هذا (2)، ولعلّهم إنما تركوا التصريح به لظهوره، لأن من ترك العمل بما لا حجة فيه، لا يقال إنه تارك للسنة. ويشير إلى هذا قول عائشة:"نزول الأبطح ليس بسنّة، إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه"(3). مع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
ويلاحظ أيضاً أن أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، قبل النبوة، ليست بتشريع، وتخرج بقولهم في التعريف (ما صدر عن النبي) فإن ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة لا يصدق عليه أنه (صادر عن النبي).
وملاحظة ثالثة، وهي أن قول المحدّثين (ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم) أشمل مما قال الأصوليون، فالحديث عند المحدثين سنة بقطع النظر عن ثبوته. ولا يكون سنة عند الأصوليين إلاّ بقيد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك عبّروا بقولهم (ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم).
وملاحظة رابعة، وهي أن بعض الأصوليين قال في تعريف السنة: إنها ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وبعضهم يضيف الترك، وبعضهم يضيف الهمّ والإشارة ونحو ذلك. والأولى ترك ذكر ما عدا الأقوال والأفعال، كما صنع البيضاوي في المنهاج، لأن كلّ ما ذكر مما سواهما فهو فعل على الراجح، كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله.
وأما من ادّعى أن شيئاً مما ذكر ليس فعلاً، وأنه حجة، فيلزمه ذكره في التعريف.
(1) رواه مسلم 16/ 118
(2)
عبد الوهاب خلاف نص على أن ذلك "من السنة ولكنه ليس تشريعاً واجباً اتباعه". وعندي أن ذلك هو من "السنة" في اصطلاح المحدثين لا في اصطلاح الأصوليين لأن الأصوليين يعتمدون (الحجية). وقد أشار إلى اعتبار قيد الحجية في التعريف صاحب تيسير التحرير 3/ 20
(3)
رواه مسلم 9/ 58