الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني حجية السنّة إجمالاً
الاحتجاج بالسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واعتبارها أحد أصول الشريعة الإسلاميّة الدالة على الأحكام الشرعية، هو دأب المسلمين قديماً وحديثاً. والذين يعرضون عن اتخاذها كذلك، ولا يعتبرونها عليهم حجة، قوم زائغون منحرفون عن الحق. بل قال الشوكاني:"إن ثبوت حجيّتها، واستقلالها بتشريع الأحكام، ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلّا من لا حظّ له في دين الإسلام"(1).
القرآنيون:
وقد نبغ بين المسلمين قوم سمّوا أنفسهم "القرآنيين"، ادّعوا أن الشريعة لا تؤخذ إلّا من القرآن، وأن المسلمين ليسوا بحاجة إلى السنة. وصنعوا من فهمهم المجرد للقرآن تركيبة شرعيّة في الطهارات والصلاة والزكاة والحج وغيرها، يعلم المطّلع عليها يقيناً أنها مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ولهؤلاء القوم المعاصرين المذكورين سلف فيمن مضى، لم يزالوا تذرّ نجومهم، فتطمسها شموس الحق من أئمة الهدى في كل زمان. وقد ألّف السيوطي رسالته المشهورة "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" للرد على من وجد من دعاة هذه الفكرة في زمانه من الرافضة. وذكر فيه أن أصحاب هذا الرأي من الزنادقة والرافضة، كانوا موجودين
(1) إرشاد الفحول ص 33
بكثرة في زمن الأئمة الأربعة فمن بعدهم "وتصدى لهم الأئمة الأربعة، وأصحابهم، في دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم"(1).
وذكر الشاطبيّ (2) طائفة شبيهاً حالها بحال هؤلاء، إلّا أنها كانت تقبل الحديث إذا وافق القرآن. ومع ذلك فقد قال الشاطبي عنهم:"أنهم قوم لا خلاق لهم". ولا شك أنهم أهل لهذا الحكم.
ومما تمسّك به هؤلاء ظواهر قرآنية، نحو ظاهر قوله تعالى:{ما فرطنا في الكتاب من شيء} (3) وقوله: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} (4).
والجواب أن الآية الأولى ليس المراد بالكتاب فيها القرآن، بل اللوح المحفوظ، كما هو واضح من السياق. وكان القرآن تبياناً لكل شيء بما دل عليه من الأدلة الأخرى، وهي السنة والإجماع والقياس.
ومما تمسّكوا به أيضاً أحاديث ضعيفة مردودة، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما أتاكم عني فأعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن خالف كتاب الله فلم أقله أنا، وكيف أخالف كتاب الله وبه هداني الله؟ ". قال عبد الرحمن بن مهدي: "الزنادقة وضعوا هذا الحديث"(5). وقال الصَّغَاني: "هذا الحديث موضوع"(6).
ومنه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن، فمن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه"(7). وهو معارض بقوله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاهٍ"(8). وإذنه لعبد الله بن عمرو (9) في كتابة ما يسمعه منه صلى الله عليه وسلم.
(1) السيوطي: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ص 3، 4
(2)
الموافقات 4/ 17، 18
(3)
سورة الأنعام: آية 38
(4)
سورة النحل: آية 89
(5)
الموافقات للشاطبي 4/ 18
(6)
المقاصد الحسنة. وانظر أيضاً: السيوطي: مفتاح الجنة، ص 14
(7)
رواه أحمد ومسلم (الفتح الكبير).
(8)
رواه البخاري (فتح الباري) ط مصطفى الحلبي 1/ 216
(9)
رواه أحمد وأبو داود (فتح الباري ط مصطفى الحلبي 1/ 218)