الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - المواظبة والدوام:
ومعناه عدم تخلّل الترك. فهو أخصّ من التكرار. فإن تكرار الشيء هو فعله مرتين أو ثلاثاً أو أكثر، وهو واضح في (كان يفعل). أما الدوام الذي لا يتخلّله ترك، فقد ادّعاه في هذا التركيب (كان يفعل) بعض الحنابلة، ونسبه ابن تيمية (1) إلى أبي يعلى وأبي الخطاب الحنبليين. واستدل به أبو يعلى على الوجوب، قال في حديث عبد الله بن زيد في استيعاب مسح الرأس:"هذا إخبار عن دوام فعله، وإنما يداوم على الواجب" ويعني بالدوام ما لم يتركه ولو مرة.
وقد تقدم أن أبا يعلى يقول بالوجوب في الفعل المجرّد، وتقدم الردّ عليه.
وتقدم أيضاً ذكر أن الدوام على الفعل المجرّد لا يدل على وجوبه.
ولكن الذي نريد هنا بيانه أن (كان يفعل) لا تدل على الدوام، وإنما تدل على التكرار والعادة الماضية. ومن أجل ذلك فلا تصلح هذه العبارة من الصحابي في رواية فعل نبويّ دليلاً على وجوب الفعل، حتى عند من يقول إن المواظبة دليل الوجوب.
ودليلنا على أن (كان يفعل) لا تدل على الدوام، أنها تدل في الماضي على ما يدل عليه (يفعل) في الحاضر، وقولنا (زيد يقري الضيف) لا يدل على أن قراه للضيف لا يتخلف البتة، بل يدل على أن عادته وأغلب أحواله أن يقري الضيف. فكذلك (كان يقري الضيف)، تدل على مثل ذلك في الماضي. والله أعلم.
3 - العموم:
وقد ادّعى الكثيرون أن (كان يفعل) تدل أيضاً على العموم في أقسام الفعل وأوجهه. وهي مسألة مهمة في فهم كثير من الأحاديث الفعلية المروية بهذه الصيغة. وهي غير مسألة دلالة هذا التركيب على المواظبة. فإن المواظبة تعني تكرار
(1) المسودة في أصول الفقه ص 115
الفعل دائماً عند تكرر المناسبات، وأما العموم فأن يفعله بجميع أقسامه، وعلى جميع الأوجه من الهيئات أو الأماكن أو غير ذلك.
وروي القول بالعموم في صيغة (كان يفعل) أبو يعلى، وهو ظاهر كلام الآمدي (1).
وقد روى البخاري الحديث: "كان صلى الله عليه وسلم يجمع الصلاتين في السفر" فقال البعض بأن ذلك يعمّ الجمع في السفر القصير، وفي السفر الطويل.
وقول من ادّعى العموم مردود بما قال ابن قاسم في شرح الورقات: "يمكن أن يجاب بأن (كان يفعل، وإن أفادت التكرار، فإن) كل مرة من مرات التكرار لا عموم فيها، لأنها إنما تقع في أحد السفرين. فالمجموع لا عموم فيه، إذ المركّب مما لا عموم فيه لا عموم فيه. واحتمال أن بعض المرات في أحد السفرين، وبعضهما في الآخر، غير معلوم ولا ظاهر. فصار اللفظ مجملاً بالنسبة للسفر القصير كما أشار إليه الشيخ أبو إسحاق في اللّمع"(2).
وشبيه بهذه المسألة، وإن لم يكن منها، ما قال الشوكاني في حديث عامر بن ربيعة: قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لا أحصى يتسوَّك وهو صائم". قال الشوكاني: "الحديث يدلّ على استحباب السواك للصائم من غير تقييد بوقت دون وقت. وهو يرد على الشافعي قوله بكراهة التسوّك بعد الزوال للصائم، مستدلاً بحديث: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"(3).
فما قاله الشوكاني مردود، فإن حديث عامر يدل على تكرر وقوع السواك من النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصوم مرات كثيرة. ولكن لا ينبغي أن يفهم من ذلك العموم بالنسبة للوقت، إذ يحتمل أن تكون المرات كلها وقعت قبل الزوال، فكيف يصلح أن يكون هذا الحديث رداً لكلام الشافعي رضي الله عنه؟.
(1) الأحكام 2/ 370
(2)
شرح الورقات ص 105
(3)
نيل الأوطار 1/ 121