الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجالات خدمة السنة الشريفة للقرآن العظيم:
يمكن حصر المجالات التي تخدم فيها السنة القرآن العظيم فيما يلي:
1 -
تقرير مضمون الكتاب وتثبيت حقائقه بما يقطع احتمال المجاز، وذلك بأن تأمر بعين ما أمر به، وتنهى عن عين ما نهى عنه، وتخبر بعين ما أخبر به.
مثاله أن الله تعالى أمر بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإتمام الصوم، والحج، ونحوها من الفرائض، أعني الأمر بأصل الفعل. فجاءت السنة آمرة بذلك أيضاً. وفَعَلها النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك جاء الكتاب ناهياً عن نكاح الربيبة، والجمع بين الأختين، فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وأكّد أنه حرام (1). وقد يسمى هذا النوع بيان التقرير. وهو لا يزيد عن أن يكون توكيداً لما في الكتاب.
2 -
تفسير ما في القرآن من مجمل. وذلك أن يَرِد القرآن بنص لا يُدرى المراد به أصلاً، ولا يتمكن المجتهد من استنباط التفاصيل، إذ إنها تُعلم من قبل القائل الأول. ومثاله أنه تعالى أمر بالصلاة، ولم يبين أوقاتها، ولا أعدادها، ولا عدد ركعاتها، ولا هيئاتها؛ فلا اللغة تبين ذلك من لفظ (الصلاة)، ولا أحيل في بيانها على شيء آخر. فلم يبق إلا أن يُبين ذلك من قبل الله تعالى. فكان ذلك بالسنّة. ويسمى هذا النوع بيان التفسير.
3 -
وقريب من هذا النوع بيان التخصيص للعام، وبيان التقييد للمطلق، وبيان إرادة خلاف الظاهر.
فالأول مثل أن الله أمر بقطع السارق، وهذا يعمّ سارق القليل والكثير، وجاء في الحديث إخراج صور معينة، لا قطع فيها، كمن سرق دون النصاب، أو سرق الثمر المعلّق وأكله في مكانه. فهذا بيان أنّ المراد بقوله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (2) ما عدا ما أُخرِج بالسنة.
(1) انظر صحيح مسلم 9/ 15 ورواه البخاري وأبو داود وأحمد.
(2)
سورة المائدة: آية 38
ومن هذا النوع سائر ما بُيِّن من الشرائط لتنفيذ الأوامر الشرعية في العبادات
والحدود وغيرها.
والثاني، وهو تقييد المطلق، مثل قوله تعالى في كفارة اليمين:{أو تحرير رقبة} (1) قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد عتق جارية بكماء، كفارةً عن ضربه لها:"أعتقها فإنها مؤمنة"(2) فقاسَ بعض الفقهاء على ذلك كفارة اليمين وأوجب فيها أن تكون مؤمنة.
وأما بيان إرادة خلاف الظاهر، فمثاله ما ورد أنه لما نزل قوله تعالى:{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن} (3) أهمَّ ذلك الصحابة، وقالوا: أيّنا لم يظلم نفسه؟ فبيّن لهم صلى الله عليه وسلم أنه تعالى يريد بالظلم الشرك خاصة.
4 -
تبديل ما في القرآن بأحكام أخرى. وهو النسخ. فهذا يثبتُه بعض الأصوليين، وينفيه آخرون. ونفيه هو الذي رجحّناه، كما تقدم.
5 -
هذا وقد تضيف السنة إلى الشريعة أحكاماً مستقلة ليست في القرآن. وهذا النوع قسمان (4):
أ- قسم يمكن إرجاعه إلى القرآن بنوع من القياس، أو من العمل بالمقاصد العامة التي أرشد إليها القرآن. فمثال القياس أن الله تعالى قال: {حرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم
…
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} (5) فذكر سبع محرمات بالنسب واثنتين بالرضاعة. فجاءت السنة تحرم سائر السبع من الرضاع، بحديث:"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"(6).
ومثال العمل بالمقاصد العامة: إباحة المسح على الخفين والعمامة والجبيرة، رخصة لدفع الحرج أو الضرر المشهود لهما في القرآن.
(1) سورة المائدة: آية 89
(2)
رواه مسلم 5/ 24 وأبو داود 9/ 106
(3)
سورة الأنعام: آية 82
(4)
الموافقات 4/ 12 وما بعدها.
(5)
سورة النساء: آية 23. والمقصود بالقياس في هذا المثال الإلحاق بنفي الفارق.
(6)
متفق عليه (الفتح الكبير).
ب- وقسم يمكن إرجاعه إلى القرآن على معنى أنّ القرآن أرشد إلى العمل بالسنة. ومثاله ما ورد عن عبد الله بن مسعود، أنه قال:"لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله"(1). فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت؟ فقال: "وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله
…
". قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (2) ولو أنه رضي الله عنه أجابها إذ أنكرت كون ذلك في القرآن، بأنه بيان لقوله تعالى عن الشيطان:{ولآمرنهم فليغيّرنّ خلق الله} (3) لكان جواباً، ولكنه قطع عليها خط الرجعة، بما يدل على حجية السنة ولو كانت مستقلة عن القرآن في الدلالة على الأحكام.
ومن ذلك أن السنة نهت عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير (4)، وليس ذلك في القرآن.
وحرمت على المحرم لبس الثياب المفصّلة المخيطة، وليس ذلك في القرآن.
وقد ذكر الشاطبي أن بعضهم رام أن يرجع ما في الأحاديث إلى النصوص القرآنية بالتفصيل بحيث يجد في القرآن دلالة تفصيلية، نصّاً أو إشارة، إلى ما دلّت عليه الأحاديث النبوية. قال:"ولكنه لا يفي بما ادّعاه، إلا أن يتكلف في ذلك مآخذ لا يقبلها كلام العرب، ولا يوافق على مثلها السلف الصالح، ولا العلماء الراسخون في العلم" وذكر أن: "هذا الرجل المشار إليه نصب نفسه لاستخراج معاني الأحاديث التي أخرجها مسلم في صحيحه، دون سواه"(5).
وليت الشاطبي أشار إلى اسم هذا المؤلف، ليمكن العثور على ما صنعه، إذ أنه مبحث جدير بالاهتمام.
وسنعود إلى هذه المسألة بشيء من التفصيل في الفصل الثاني من الباب الأول إن شاء الله.
(1) حديث ابن مسعود، مع قصة الحديث، رواه مسلم 13/ 106 ورواه أحمد والبخاري وأبو داود.
(2)
سورة الحشر: آية 7
(3)
سورة النساء: آية 119
(4)
رواه أحمد ومسلم وأبو داود (الفتح الكبير).
(5)
الموافقات 4/ 52