الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثامن قول المساواة في العبادات الخاصة
قول ابن خلاد المنسوب إليه في كتب الأصوليين أن التأسّي في العبادات واجب، وفي العادات لا يجب بل يستحب، هو قولٌ غير محرر. ولم نطلّع على ما قاله بحروفه لنرد عليه.
قال القرافي: ووجه تخصيص الوجوب بالعادات قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم" و"صلوا كما رأيتموني أصلي" وظاهر المنطوق الوجوب، لأنه أمر، ومفهومه أن غير المذكور لا يجب (1).
وواضح أن قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ونحوه لا تخصيص فيه حتى يكون له مفهوم. وآية التأسيّ عامة، فيجب العمل بها في العبادات وغيرها. والله أعلم.
فائدة مهمة نلحقها بقول المساواة:
قال ابن تيمية:
"مسائل الأفعال لها ثلاثة أصول:
أحدها: أن حكم أمته صلى الله عليه وسلم كحكمه في الوجوب والتحريم وتوابعهما، إلا أن يأتي دليل يخالف ذلك.
الأصل الثاني: أن نفس فعله يدل على حكمه صلى الله عليه وسلم إما حكمٌ معين، أو حكم
(1) شرح تنقيح الفصول ص 127
مطلق، وأدنى الدرجات الإباحة ...... فمتى ثبت أن الفعل يدلّ على حكم كذا، وثبت أنا مساوون له في الحكم، ثبت الحكم في حقنا.
الأصل الثالث: أن الفعل هل يقتضي حكماً في حقّنا من الوجوب مثلاً وإن لم يكن واجباً عليه صلى الله عليه وسلم، كما يجب على المأموم متابعة الإمام في ما لا يجب على الإمام، وعلى الجيش متابعة الإمام في ما لا يجب على الإمام، وعلى الحجيج موافقة الإمام في المقام بالمعرَّف إلى إفاضة الإمام؟ هذا ممكن أيضاً. بل من الممكن أيضاً أن يكون سبب الوجوب في حقه معدوماً في حقنا، ويجب علينا لأجل المتابعة ونحوها، كما يجب علينا الرّمَل والاضطباع مع عدم السبب الوجب له في حق الأولين، أو سبب الاستحباب منتفياً في حقنا. وقد نبه القرآن على هذا بقوله:{ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} فصار واجباً عليهم لموافقته، ولو لم يكن قد تعيّن الغزو في ذلك الوقت إلى ذلك الوجه" (1). اهـ كلامه.
فابن تيمية يرى أنه يخرج عن هذا الأصل -وهو الاشتراك في الحكم- ثلاثة أمور:
الأول: ما دل عليه دليل، وهو الخصائص. وقد تقدم القول فيها.
الثاني: ما يجب علينا، وهو عليه صلى الله عليه وسلم غير واجب، وإنما وجب علينا لأجل المتابعة. كالخروج معه في الغزو.
ونحن نرى أن هذا النوع لا ينبغي أن يستثنى، لأن المتابعة له صلى الله عليه وسلم إنما وقع من جهة كونه إماماً، لا من جهة الرسالة، بدليل أنها تجب مع كل إمام في الغزو، ومع كل إمام في الصلاة. وإنما وجب من تلك المتابعة ما وجب، مؤقتاً حال حياته وتوليه السلطة. لا بعد ذلك.
أما أن يجب ذلك في شيء من أفعاله صلى الله عليه وسلم من حيث هورسول، فلا نجد له مثالاً، وهو -أعني ابن تيمية- لم يمثل له.
(1) المسودة في أصول الفقه ص 74، ص 192 (مكرر)
الثالث: وقد ذكر في بقية كلامه: ما يستحب لنا، ولم يكن بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستحبّاً. وقد مثل لها بأن أحمد بن حنبل "تسرّى لأجل المتابعة، واحتجم ثلاثاً لأجل المتابعة، وقال: ما بلغني حديث إلاّ عملت به، حتى أعطى الحجام ديناراً". فإن أصل هذه الأفعال من النبي صلى الله عليه وسلم مباحة، وقد فعلها أحمد على سبيل الاستحباب.
ونحن قد سبق أن بيّنّا الرأي في مثل هذه الأفعال في قول الندب، فليرجع إليه.
أما ما ذكره ابن تيمية من أن الحكم في حق النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون معلّقاً بسبب وهو منا مطلق، فسنذكره في مبحث السبب من الفصل الثامن.