الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدليل لذلك أنه لا امتناع فيه عقلاً. وقد ورد في الكتاب العظيم نسبته إلى الأنبياء، كقوله تعالى:{ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً} ووقع فعلاً كما قد ذكر في السنة. فقد حفظ من سهوه صلى الله عليه وسلم في الصلاة مواضع، وقوله:"أُريتُ ليلة القدر ثم أُنسِيتُها".
الإقرار على النسيان:
الذين قالوا بجواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم في الأفعال التكليفية، قال بعضهم: لا يُقَرّون عليه، بل ينبّهون عن قرب. وهو قول الجمهور، كما حكاه الزركشي. وقيل: قد يتراخى التصحيح، وإليه مال الجويني، ولكن لا ينقرض زمانهم وهم مستمرّون على النسيان.
وهذا فيما يترتب عليه تشريع من الأفعال.
أما الأفعال التي لا يترتب عليها تشريع، فقد قال ابن القشيري: لا بُعد أن ينسى، ثم لا يتذكر حتى ينقرض زمانه، وهو مستمر على النسيان، مثل أن ينسى صلاة ثم لا يتذكرها (1).
ملحق: العوارض البدنية والنفسية:
لم يقل أحد بوجوب عصمة الأنبياء عن أن تلحقهم العوارض التي تلحق غيرهم، من المرض والجوع والعطش، والنوم والإغماء (2) والتعب، والضعف والكبر، والجراح والموت. وسواء لحقهم ذلك بدون تسببٍ من البشر أو بتسبّب منهم، فقد قُتل بعض الأنبياء قتلاً.
وفي بعض الأحوال كان الله عز وجل يعصمهم من أعدائهم، كما عصم
(1) البحر المحيط 247 أ.
(2)
الإغماء الذي يطول الشهر والشهرين وأكثر، قال الداركي: هو غير جائز لأنه كالجنون. بخلاف الساعة والساعتين، فهو جائز لأنه شبيه بالمرض (البحر المحيط للزركشي 2/ 247 ب).
إبراهيم من الاحتراق بالنار، وعصم موسى من أذى فرعون، وعصم عيسى من القتل والصلب، صلى الله عليهم أجمعين.
وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أصابه ما أصابه في الله، وناله أذى المشركين، فشُجَّ يوم أحُدٍ وكُسرت رباعيته (1)، وسقط عن بعيره، وجُحِش شِقه، وسُحر. ومن جهة أخرى عصم في بعض المواقف، فعُصم من أذى أبي جهل، وأنجي ليلة الهجرة من المشركين، ومُنِع عنه سراقة بن مالك، ووُقي سيف غورث بن الحارث، واغتيال عثمان بن طلحة العبدري، وأرْبَد بن قيس، وعامر بن الطفيل، وأعلمه الله بأن بني النضير يريدون اغتياله، وأخبرته الذراع الذي سُمّت له، إلى غير ذلك من الوقائع التي ذكرت في السيرة، وعصمه الله فيها (2).
وهذا مُشكل مع قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} فإن هذه الآية تقتضي عصمته في جميع الأحوال.
والذي أراه أن الوقائع التي ناله صلى الله عليه وسلم فيها الأذى من الناس إنما كانت قبل نزول آية العصمة. فإنها من سورة المائدة. وسورة المائدة من أواخر ما نزل. قال القرطبي: "روي أنها نزلت مُنْصَرَف النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية"(3). ونُقل أن آية العصمة المذكورة، نزلت في قصة غورث بن الحارث التي وقعت بالحديبية (4). فإن صح الخبر بذلك، دلّ على أن العصمة من أذى الناس أمر ضمنه الله تعالى لنبيه في السنة السابعة للهجرة، لا قبل ذلك. وحينئذ فلا إشكال إلا في قضية أكله صلى الله عليه وسلم ذراعَ الشاة المسمومة، وأنه قال عند وفاته صلى الله عليه وسلم:"ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر، فهذا أوان وجدتُ انقطاعَ أبهري من ذلك السُّمّ" رواه البخاري (5) وانفرد به.
(1) روى البخاري قصة شجته صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته (فتح الباري ط الحلبي 8/ 375) وفي سيرة ابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر يوم أحد قاعداً، من الجراح التي أصابته (السيرة النبوية. تحقيق مصطفى السقا وزملائه 2/ 87).
(2)
القاضي عياض: الشفا 2/ 173
(3)
الجامع لأحكام القرآن 6/ 30
(4)
الجامع لأحكام القرآن 6/ 246
(5)
فتح الباري ط (مصطفى الحلبي 9/ 195)