الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموتى قال أَوَلَمْ تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصُرْهُنَّ إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهنّ يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم} فحصل بالفعل من طمأنينة القلب واليقين بالخبر ما لم يحصل بالقول، وإن لم يشك في صدقه، إذ هو قول رب العالمين.
ثالثاً: بيان التفسير: وقوع هذا النوع من البيان، بالفعل، كثير. فقد بيّن صلى الله عليه وسلم الوضوء فعلاً، وكذلك الصلاة، والحج، والطواف، والسعي، وغيرها.
رابعاً: بيان التغيير: وهو بيان أن المراد باللفظ خلاف ظاهره، ومثاله نهيه صلى الله عليه وسلم عن القود في الطرف قبل الاندمال (1) وروي أنه أقاد قبل الاندمال (2)، فتبيّن بالفعل أنه أراد بالنهي الكراهة دون التحريم. ومن بيان التغيير التخصيص، وسنفرد لتخصيص الأدلّة الشرعية بالأفعال النبوية مبحثاً خاصاً في أوائل باب التعارض وهو الباب الثالث من هذه الرسالة.
خامساً: بيان التبديل: وهو النسخ، وسيأتي ذكره أيضاً في باب التعارض.
القوة والوضح بين البيان القوليّ والبيان الفعليّ:
اختلفت أقوال الأصوليين أيهما أقوى دلالة: القول أم الفعل؟ فمن قائل: القول أدلّ من الفعل، ومن قائل: الفعل أدلّ منه (3)، ومن قائل بالتفصيل في ذلك.
المذهب الأول: احتج القائلون بأن القول أدلّ، بما يلي:
أولاً: أن القول له صيغة، فيمكن أن يعلم المراد به من جميع الوجوه، والتعبير به عن كل ما في النفس، بما يكون نصّاً في المطلوب أو ظاهراً. حيث إن الألفاظ موضوعة لمعان معلومة يمكن تركيبها لتدل على المراد عيناً، وبدرجة العموم
(1) روى ذلك الدارقطني (نيل الأوطار 7/ 30).
(2)
رواه أحمد والدارقطني (نيل الأوطار 7/ 30).
(3)
قال أبو الحسين البصري في المعتمد (ص 340): إن الفعل أكشف لأنه ينبئ عن صفة المبين مشاهدة.
والخصوص المطلوبة، وبما يدل على الحكم المراد. وقد قال الشاعر:
القول ينفد ما لا ينفذ الإبَر
أما الفعل فلا يقع إلاّ على صورة واحدة، ولا يتعدّى تلك الصورة بنفسه، فلا يفهم منه بنفسه درجة الحكم أهي الوجوب، أم الاستحباب، أم الإباحة، ولا يعلم قدر انسحابه على أشخاص آخرين غير الفاعل، وعلى أحوال أخرى غير الحالة التي وقع عليها (1).
ثانياً: أن القول يمكن أن يُدَلَّ به على أنه بيان للمجمل، بخلاف الفعل، فإنه لا يدل بنفسه على ذلك، فلا يعلم ذلك إلا بدليل غير فعلي، إما بالقول، وإما بالعقل، وإما بأن يعلم ذلك بالضرورة من قصده.
ثالثاً: إن الفعل لا يمكن الدلالة به على المعدوم والمعقول، بل على الموجود والمحسوس خاصة، بخلاف القول، إذ يمكن التعبير به عن كل ذلك (2).
رابعاً: إن الفعل البياني، قد يلازمه حركات وأوصاف غير مراد أن تكون بياناً، ويعرف ذلك بالاستقراء (3). وهذا قد يجعل في كل جزء من أجزاء الفعل البياني احتمالاً أنه غير مراد. وهذه الاحتمالات لا يمكن إزالتها إلا بتكرار الفعل مع حذفها، أو بالقول، أو بغير ذلك من القرائن، كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة في مكان معين، فلئلا يظن ظان أن ذلك المكان مقصود قال:"وقفت هنا وعرفة كلها موقف". وقال في مزدلفة مثل ذلك، وقال في النحر بمنى:"نحرت هنا ومنى كلها منحر"(4). وفي رواية (5): "وكل فجاج مكة طريق ومنحر"(6).
(1) القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني: المغني في التوحيد والعدل 17/ 265، 226، وانظر أيضاً: تيسير التحرير، حيث حكاه في 3/ 148 والبناني: حاشيته على شرح جمع الجوامع 2/ 100
(2)
عبد الله دراز: حاشية على الموافقات 3/ 314
(3)
تيسير التحرير 3/ 149 والبناني على شرح جمع الجوامع 2/ 100 والعلائي: تفصيل الإجمال ق 12
(4)
تيسير التحرير 3/ 176
(5)
رواه أبو داود 5/ 413 وسكت عنه المنذري.
(6)
انظر: روايات الحديث في جامع الأصول 4/ 70