الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث اجْتماع القول والفِعل في البَيان
الكلام في هذه المسألة ينقسم قسمين، لأنه إن جاء بعد المجمل قول وفعل وكلاهما صالح لأن يكون بياناً، فإما أن يكونا متطابقين لا يزيد أحدهما على الآخر، وإمّا أن لا يكونا كذلك.
ومعنى صلاحيتهما للبيان أن يفعل ما أمر به، وأن يصفه بذكر أجزائه وأعداده وهيئاته. أما إذا أحال بالقول على الفعل، كأن قال:"خذوا مناسككم" و"صلوا كما رأيتموني أصلِّي"(1). ونحو ذلك، فهذا القول ليس بياناً، وإنما هو قول معلِّق للبيان على الفعل، فيُعلم به كون الفعل بياناً (2). فإن علم بالضرورة أو بالعقل، أن الفعل بيان، كان مثل هذا مؤكِّداً لذلك (3).
القسم الأول: حالة الاتفاق:
وأمثلته أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن بقوله عدد ما أمر به الله من الصلوات، فبيّن بالقول أنها خمس صلوات، وصلاها فعلاً كذلك، لم تزد ولم تنقص.
وكذلك بينّ مقادير ما أمر الله به من الزكاة المفروضة في الذهب والفضة أنها ربع العشر، وأخذها كذلك.
(1) سيأتي تخريج هذا الحديث بتوسع في فصل الفعل البياني.
(2)
أبو الحسين البصري: المعتمد 1/ 338 حيث قال: "إن البيان هو الفعل، دون القول المعلق للفعل بالمبين".
(3)
تيسير التحرير 3/ 176
والذي يعتبر بياناً منهما هو أولهما وروداً، سواء علم أو جهل. إذ به يحصل التبيين (1)، ويخرج الأمر عن الإبهام. ويكون الثاني منهما مؤكّداً له ومقويّاً، كما تقدم عند ذكر أعلى أنواع البيان.
وهذا هو القول المعتمد.
وقيل يكونان بمجموعهما بياناً.
وقيل القول هو البيان، سواء تقدم أو تأخر، دون الفعل، لأنه أقوى من الفعل (2).
هذا وقد قرّر الآمدي (3) وبعض الأصوليين أن المتأخّر منهما إنما يجوز اعتباره تأكيداً للأول في حال استوائهما في القوة، وحال كون الثاني منهما أقوى. أما إن كان الثاني أضعف فلا يكون مؤكِّداً، إذ إنه يخلو من الإفادة، فيكون المجيء به عبثاً.
وبَنَى على ذلك أنه في حال العلم بأولهما وروداً يكون الثاني تأكيداً إنْ كان أقوى من الأول.
وفي حال الجهل بذلك، فالأشبه أن الأول وروداً هو الأضعف منهما، لئلا يلزم المحذور الذي أشار إليه.
وقد رفض السبكي هذه الطريقة، فرأى أن المتأخِّر يكون توكيداً ولو كان أضعف (4).
والذي نختاره هنا قول السبكي.
ونزيد أن العرب لم تزل تؤكّد في كلامها الأقوى دلالة بالأضعف. كما في
(1) هكذا أطلق أبو الحسين البصري في المعتمد ص 339 جعل المتقدم منهما هو البيان ولم يعرج على تفصيل.
(2)
نقله الشوكاني ص 173
(3)
الإحكام في أصول الأحكام 3/ 37 ونقله البدخشي 2/ 151 وأقره.
(4)
جمع الجوامع 2/ 68