الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وقد نسب صاحب تيسير التحرير إلى الأشعرية أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبّداً به. وحكى صاحب التحرير أن القاضي والجبائيّ أجازا اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الحروب فقط، أي دون الأحكام الشرعية (1).
والمختار ما نص عليه الحنفية (2) أنه صلى الله عليه وسلم كان عليه العمل بالوحي أولاً، وكان عليه أن ينتظر الوحي في الوقائع، فإن لم يأته الوحي بعد الانتظار اجتهد رأيه (3).
الدليل العقلي لجواز صدور أفعال النبي صلى الله عليه وسلم عن اجتهاد:
إنا لو فرضنا أن الله تعبّده بذلك، بأن قال له: حكمي عليك أن تقيس فيما لا نص فيه، لم يلزم من ذلك أمر محال.
وقد نوقش هذا الدليل بأنه لو كان في الأحكام الصادرة عنه صلى الله عليه وسلم ما يكون عن اجتهاد، لجاز أن لا يُجعل أصلاً لغيره، وأن يخالف فيه، وأن لا يكفر مخالفه، لأن جميع ذلك من لوازم الأحكام الثابتة بالاجتهاد.
وأجاب عن ذلك الآمدي بأنا لا نسلم أن ما ذكروه من لوازم الأحكام الثابتة بالاجتهاد، بدليل الإجماع عن اجتهاد، فإن الإجماع معصوم من الخطأ. فكذلك اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يقرّ على خطأ في الأحكام الشرعية.
الأدلة القرآنية: منها:
1 -
أدلة القياس، كقوله تعالى:{فاعتبروا يا أولي الأبصار} (4) والمأمور بالاعتبار، وهو القياس، المؤمنون، وأولهم النبي صلى الله عليه وسلم. فهو مأمور بالقياس. والبحث يستوفى في باب القياس. فمن أثبت القياس أصلاً في الشريعة لزمه القول به هنا.
2 -
قوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما
(1) 4/ 184
(2)
أصول البزدوي 3/ 926 - 933
(3)
تيسير التحرير 4/ 190
(4)
سورة الحشر: آية 2
أراك الله} (1) والذي أراه إياه يعمّ الحكم بالنص، والاستنباط من النصوص، والقياس عليها.
ونوقش هذا الدليل بأن ما أراه هو ما أنزله إليه.
والجواب أن يقال: أن ما حكم به قياساً على المنزل هو حكم بالمنزل، لأنه حكم بمعناه وعلته.
وجواب آخر: أن حكمه بالاجتهاد هو حكم بما أراه الله، فتقييده بالمنزل مخالف لإطلاق الآية.
3 -
قوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} (2) فعاتبه الله على إطلاقهم، كما في حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "جئت فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان. فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عَرَض علي أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عُرِض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة -لشجرة قريبة منه- وأنزل الله عز وجل: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض
…
} الآيات. فأحلّ الله الغنيمة لهم" (3) اهـ.
فإنه هنا حكم بالمصلحة. وإذا جاز الحكم بالمصلحة، فالحكم بالقياس أولى.
4 -
أنه صلى الله عليه وسلم صلّى على كبير المنافقين عبد الله بن أبي. فجذبه عمر، وقال: أليس الله تعالى قد نهاك أن تصلّي على المنافقين؟ فقال: "أنا بين خيرتين، قال الله تعالى: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} (4) فلأزيدنّ على السبعين". فصلّى عليه (5). فنزل قوله تعالى: {ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} (6).
(1) سورة النساء: آية 105
(2)
سورة الأنفال: آية 67
(3)
رواه مسلم والترمذي (جامع الأصول 9/ 142).
(4)
سورة التوبة: آية 80
(5)
حديث صلاته صلى الله عليه وسلم على ابن أبي رواه البخاري 3/ 138 ورواه مسلم والنسائي وابن ماجه.
(6)
سورة التوبة: آية 84