الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليس الحرج المطلوب إبطاله في الآية إذن هو الحرج من جهة الله تعالى، وهو الإثم، ولكن الحرج هو الضغط الاجتماعي المانع من العمل بما أباحه الشرع.
وبذلك لا تكون الآية دالة على المطلوب في هذا الموضع. وبالله التوفيق.
ثانياً: الأدلة من السنة
لا يصلح الاحتجاج بالسنة الفعلية في هذا المقام، لأنه يكون من باب إثبات الشيء بنفسه. وإنما يصح الاحتجاج هنا بالسنة القولية.
وقد ورد مما يدل على ذلك أمور:
الأول: أن قوماً سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم. فكأنهم تقالّوها، فأراد أحدهم أن يقوم الليل فلا ينام، والآخر أن يصوم فلا يفطر، والثالث أن لا يتزوج النساء. فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم، قال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ " قالوا: نعم. قال: "لكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(1).
= فيهم متأصلة، حتى حكموا للأدعياء بما للأبناء من الحقوق، فلو اقتصر القرآن في إبطال التبني على قوله:{وما جعل أدعيائكم أبنائكم} لشق على بعض النفوس الإقدام على نكاح حليلة المتبنى مخافة لوم الآخرين. لذلك شاء الله ما كان من زواج زيد لزينب، وحصول الكراهة بينهما، ووقوع الشكاية، حتى يتم الفراق، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بنكاحها ليقطع جذور هذه العادة، فإذا أقدم غيره من المؤمنين على مثل هذا أجاب بقوله:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} اهـ.
ثم وجدت صاحب مسلم الثبوت وشارحه (2/ 181) يقولان: "القول ينفي الحرج شرعاً لا طبعاً. فإن الإنسان كثيراً ما يتحرج من فعل المباح لما (يرى) فيه من المداهنة. ينفر الطبع، وفعل الرسول المتبوع ينفيهما جميعاً" وهو توجيه مقبول، إلا أنه يلزمه أن هذا الفعل لا يتعين بياناً شرعياً، وهو مطلوبنا، خاصة وقد كان البيان القولي في هذه المسألة سابقاً للفعل.
(1)
رواه مسلم 9/ 176 والبخاري أول كتاب النكاح.
فقد أنكر عليهم مخالفته فيما يفعله، وذلك دالّ على المطلوب.
ثم أخبرهم بما يفعله هو، وغرضه أن يقتدوا به في ذلك، وفي هذا دلالة أخرى.
ثم وضع قاعدة عامة "من رغب عن سنتي فليس مني" ولفظ (السنة) هنا عام، وقد ورد على سبب معين هو الاقتداء بالأفعال، وقد تقرر في علم الأصول أن صورة السبب قطعيّة الدخول في العام. فثبت المطلوب. ويدلّ ذلك على أن الأفعال النبوية جزء من السنة النبوية يحتج به كما يحتج بالأقوال.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عرض الأمر الذي هو بحاجة إلى بيان حكمه، يذكر للقوم أحياناً، أن يفعله (1)، ويرى ذلك كافياً في البيان. ولا يكون كافياً ما لم يكن متقرّراً أن فعله دليل وحجة. ومن ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر:
1 -
حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الغسل، أنه قال:"أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً". وأشار بيديه كلتيهما (2).
وروي مثله من حديث جابر (3).
2 -
وحديث أنس: "إني لأتوب إلى الله تعالى في اليوم سبعين مرة"(4).
3 -
وحديث أبي رافع: "إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البُرُد"(5).
4 -
وحديث عائشة أن رجلًا قال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم؟ قال:"وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم"(6).
(1) ابن تيمية: الفتاوى الكبرى 18/ 9
(2)
البخاري (فتح الباري 1/ 367) ومسلم وأصحاب السنن (الفتح الكبير).
(3)
أحمد ومسلم (الفتح الكبير).
(4)
النسائي وابن حبان (الفتح الكبير).
(5)
أحمد وابن حبان أبو داود والنسائي (الفتح الكبير) والبرد جمع بريد، وهو الرسول.
(6)
أحمد ومسلم (نيل الأوطار 4/ 225)