الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصناعية بالتسجيع والترجيع، ونقلهم بعض الأعيان التي له فيها فعل كالصاع والمدّ، وموضع المنبر، وموضع موقفه للصلاة، والبقيع والمصلّى" (1).
وهذا شبيه بنقل الأمة تعيينه صلى الله عليه وسلم لموضع الصّفا والمروة ومنى ومواضع الجمرات ومزدلفة وعرفة. وهذه النقول من نوع التواتر المنقول فعلياً.
ثانياً: نقل الفعل بالقول:
وهو في الجملة، أعلى درجة من نقله بالفعل كما سبقت الإشارة إليه.
وقد تعرّض الغزالي في المستصفى، كغيره من الأصوليين (2)، لألفاظ الرواية. فرتّبها الغزالي درجات، بحسب قوتها، وبيّن وجوه تميّز بعضها عن بعض. وكان أكثر كلامه منصباً على رواية الأقوال. ونحن نبيِّن على وزان ذلك ألفاظ رواية الصحابيّ للفعل. فنقول إنها على درجات:
الدرجة الأولى: أن يقول الصحابي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا وكذا. فهذا صريح في الإدراك الحسّيّ المباشر وهو ينفي احتمال الواسطة.
وقد تتقوّى هذه الدرجة بأمور:
الأول: أن يكون الراوي كثير الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك حريّ أن يجعله يفرّق بين الأفعال المقصودة في التشريع وبين غير المقصودة. ومن هنا لم يأخذ كثير من الفقهاء برواية مالك بن الحويرث لجلسة الاستراحة. وكان تضعيفهم لها من هذا الوجه.
الثاني: أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم، يفعل مثل ذلك الفعل مرّات كثيرة على صورة واحدة. ومن هنا كثر الخلاف في أحكام أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج، لما أنّه صلى الله عليه وسلم لم يحجّ إلا مرة واحدة.
(1) إعلام الموقعين 2/ 372
(2)
انظر: المستصفى 1/ 83 إرشاد الفحول ص60، جامع الأصول لابن الأثير 1/ 48 ابن قدامة: روضة الناظر ط: السلفية 1378 هـ ص 61
الثالث: أن يكون الراوي فقيهاً. وللفقه في هذا المقام مكانته، نظراً إلى أن نقل الفعل هو من باب الرواية بالمعنى كما سبقت الإشارة اليه. وأيضاً فإن كثيراً من الأفعال منوطة بأسبابها، ويحتاج إلى معرفة حصول شروطها وانتفاء موانعها، فإنه إن لم يكن فقيهاً، فربما فاته الانتباه إلى ذلك. ولكن الفعل لا يخرج بذلك عن أن يكون حجة. ويقول الآمدي في قضية فهم السببية:"إن كان (الراوي) فقيهاً كان الظنّ بقوله أظهر، وإذا لم يكن فقيهاً، وإن كان في أدنى الرتب، غير أنه مغلّب على الظنّ"(1).
الدرجة الثانية: أن يقول: فعل النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. يحتمل أن الصحابي أرسله عن صحابي آخر.
وهو مع ذلك حجة لأن مراسيل الصحابة مقبولة عند جمهور العلماء.
وفي هذه الدرجة احتمال آخر، وهو أن يكون استنبط الفعل من آثاره ولوازمه.
الدرجة الثالثة: أن يقول: فُعِل كذا وكذا، من الأمور الشرعية المضافة إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم، كقول بعضهم: كنا نطرد عن الصف بين السواري.
ففي هذه الدرجة مع الاحتمالات السابقة، احتمال آخر، وهو أن يكون الفاعل لذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن كان مع علمه صلى الله عليه وسلم بذلك، لم يخرج عن أن يكون حجة، كما يظهر ذلك في المثال المتقدم، لأنه يكون من الإقرار. وأما إن لم يظهر أنه صلى الله عليه وسلم علم بذلك، فإنه يخرج عن الحجية. والله أعلم.
الدرجة الرابعة: أن يقول الصحابي: من السنة كذا. وهذا يمكن أن يكون أصله فعلاً، أو يكون قولاً. وفيه احتمال أن يكون المقصود به سنة أحد الخلفاء الراشدين المهديين. وهو مع ذلك حجة، لأن الظاهر أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ما لو قال ذلك التابعي.
(1) أحكام الأحكام 3/ 367، 368